أزمة الدولار في لبنان أكبر من حلها بإجراءات أمنية... تفاصيل غابت عن الكثيرين

بينما تستمر الأجهزة الأمنية في لبنان بملاحقة المضاربين على الليرة والصرافين غير الشرعيين، ورغم التوقيفات المستمرة وما حُكي عن وقوع رؤوس كبيرة، ما يزال سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء على صعوده، وقد سجّل اليوم 67,500 ليرة.

وهكذا، فقد أثبتت كل الطرق "الترقيعية" التي تُعتمد للجم انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية فشلها، إذ بعد فشل تدخل مصرف لبنان الأخير في السوق السوداء نهاية العام الماضي رغم ضَخ نحو مليار دولار في السوق من دون أن يؤدي ذلك إلى تحسن الليرة سوى لأيام، ها هي خطة ردع المضاربين وتجار الشنطة تفشل أيضاً.

وهنا يسأل الناس: "إلى أي مدى يمكن الاستمرار ببيع الأوهام للناس وإلى متى ستستمر لعبة السوق السوداء للدولار في لبنان؟".

الإجراءات الأمنية لإنقاذ الليرة اللبنانية... ترقيع لثوب بالي:

يقول الخبير الاقتصادي "أنيس بو دياب"، لجريدة "الجمهورية"، إن مشكلة سعر الصرف في لبنان ما عادت تحلّ بملاحقات أمنية، فربما هذه الحلول كانت لتنفع منذ 3 سنوات مع بدء الأزمة المالية لو تزامنت يومها مع وقف عمل المنصات وشروعنا في سياسات فعلية وليست ترقيعية كما هو الحال اليوم.

وأضاف: "مشكلتنا المالية اليوم باتت أعمق بكثير، حتى إن البنك الدولي صنّفها هكذا، أضف إلى ذلك التحذيرات التي أطلقها للنواب مؤخراً إلى جانب تصاريح نائبة رئيس البنك الدولي للشرق الأوسط وفيها الكثير من الوضوح لناحية تخلي لبنان عن واجباته الإصلاحية".

ثم تابع: "إن أزمتنا ما عادت أزمة نقدية بحت إنما عميقة جدا وتحتاج إلى إجراءات إصلاحية فعلية مطلوبة وطنياً قبل أن تكون مطلوبة من صندوق النقد. فهل منّا من يرفض الإصلاح بالقطاع العام؟ بالطبع لا، الكل يعلم أن هذه الإجراءات مطلوبة وبالتالي فالمضاربة هي نتيجة لإهمال الإصلاحات، ويقودها بعض التجار الذين يحظون بالتغطية السياسية".

وأكّد أن كل من يملك كتلة نقدية بالدولار أو بالليرة اللبنانية يستطيع أن يقوم بعملية المضاربة لتحقيق مكاسب أعلى، وكما هو معلوم عند الانهيارات يحصل إعادة توزيع للدخل لصالح أقلية من التجار والمضاربين الذين يسعون وراء مصالحهم.

وكشف "بو دياب" أنه "في غياب الإجراءات الإصلاحية بات الصيارفة يعملون للأمد الطويل، أي أنهم يحجزون الأموال مسبقاً، وهذا ما يؤخّر إجراءات تراجع سعر الصرف".

وتابع: "على سبيل المثال يشتري الصرافون المضاربون ما بين 5 إلى 10 ملايين دولار على 65 ألفا ويحجزونه إلى ما بعد 15 يوما على أن يحاولوا خلال هذه الفترة التصدي لأي إجراء يمكن إن يخفّض من سعره كي لا يقعوا بخسارة، فهم يحاولون جر سعر الصرف إلى الرقم الأعلى. وهذا يدل على أنه للصيارفة أو المضاربين الإمكانات المالية بالكتلة النقدية لتهدئة السعر بالطريقة التي يرونها مناسبة".

واعتبر أن الاصلاحات وحدها كفيلة بإيقاف المضاربين عند حدهم وإعادة انتظام الدولة ومؤسساتها بدءاً بتثبيت سعر الصرف، وليس الملاحقات التي هي بمثابة "ذر الرماد بالعيون".

وعن تفسيره لتراجع سعر الدولار في لبنان مؤقتًا مع بدء الملاحقات، يقول "بو دياب": "ربما تفاجأ الصرافون مع بدء الإجراءات إلا انهم ما لبثوا أن أمسكوا بزمام الأمور مجدداً لأنهم يملكون الكتلة النقدية، كما يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن معرقل الإصلاحات هو نفسه مَن يعرقل السير بأي تعاميم أخرى، مع التشديد على أنه بالإجراءات النقدية لا يمكن لجم هكذا أزمات".

سعر الصرف الحقيقي للدولار في لبنان:

قدّر "بو دياب" أن يكون سعر الصرف الحقيقي اليوم للدولار 40 ألفا وليس 65 ألفا كما هو متداوَل في السوق السوداء، شارحا أن الفارق بين السعرين يعود للأسباب السياسية وللعبة المضاربة، عازياً ذلك إلى بعض المؤشرات، منها: زيادة الاستيراد وحجم الإيرادات واستنزاف احتياطي المركزي بـ 2.3 مليار دولار (استناداً إلى ارقام موازنته) وحجم الكتلة النقدية في السوق.

وتوقّع أن "يستمر سعر الصرف بالارتفاع في الفترة المقبلة، فإذا لم تباشر الدولة بالإصلاح نحن في سقوط حر، وكلما تفاقمت الأزمة كلما بات الهبوط أسرع".