مستقبل الأمن الغذائي في سورية خلال المرحلة القادمة... حقائق وإحصائيات تكشف المشكلة
كشفت بيانات وإحصائيات عديدة أن عمق الأزمة الاقتصادية في سورية وصل إلى نقطة حرجة ليس بالنسبة لاقتصاد البلد وعملته وأسواقه فحسب، بل بالنسبة إلى مناحي أكثر خطورة كتوافر المواد الغذائية واحتياجات الحياة الأساسية، مما وضع مستقبل الأمن الغذائي في سورية تحت تهديد جدي وكشف عن وصول الأمر إلى مرحلة تفوق قدرة الناس على التعايش معها.
نسبة 60% من سكان سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي:
كشف برنامج الغذاء العالمي في تقريرٍ كان قد عرضه في وقت سابق من العام الجاري، أن 12.4 مليون شخص في سوريا، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، أي ما يعادل 60% من تعداد السكن، وهو مؤشر غير مسبوق يهدد قدرة السوريين على الصمود.
وبحسب البيانات فإن 1.3 مليون شخص يعاني من انعدام الأمن الغذائي الشديد، بزيادة قدرها 124% خلال سنة، وقُيم 1.8 مليون شخص إضافي على أنهم معرضون لخطر الوقوع في انعدام الأمن الغذائي. ويعتبر هذا الرقم أعلى نسبة سُجلت على الإطلاق على مستوى البلاد.
هذا وقد أكدت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي "جيسيكا لوسون"، أن “المزيد من السوريين ينزلقون إلى براثن الجوع والفقر وانعدام الأمن الغذائي أكثر من أي وقت مضى”.
وأضافت “من المثير للقلق أن الوجبة الأساسية أصبحت الآن بعيدة عن متناول غالبية العائلات”.
وتابعت “الوضع الاقتصادي في سوريا يتسبب بضغوط هائلة على العائلات التي لم يبق لها أي شيء بعد سنوات من الصراع ويعتمد الكثير منها بشكل كامل على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة”.
بالأرقام:
12.4 مليون شخص في حالة انعدام الأمن الغذائي
1.3 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد
6.7 مليون نازح داخليا
الجفاف يفاقم المشكلة... وأزمة خبز جديدة قد تلوح في الأفق:
أثارت تصريحات "محمد حسان قطنا" وزير الزراعة السوري، عن محصول القمح مخاوف من أزمة قمح جديدة هذا العام، إذ أعلن، في 17 من أيار الحالي، أن المحصول لا يكفي كامل الاحتياجات.
في حين أن "قطنا" كان قد وعد بأن عام 2021 سيكون “عام القمح”، إلا أن التصريحات الأخيرة للوزارة حول انخفاض المحاصيل من القمح والشعير تُشير إلى العكس.
وأرجع قطنا أسباب نقص محاصيل القمح والشعير للعام الحالي إلى الجفاف، إذ انخفض معدل هطول الأمطار بين 50% و70% حسب المحافظات، ففي الحسكة كان أقل من 50%، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة بنحو ست إلى سبع درجات، ما يزيد من معدل التبخر.
وقال الوزير في تصريح لإذاعة “شام إف إم” المحلية، في 21 من أيار الحالي، “لم يمر على سوريا جفاف كهذه السنة، ففي سنوات سابقة كان يمر الجفاف على محافظة أو اثنتين، بينما في العام الحالي طال الجفاف كل المحافظات”.
وأوضح وزير الزراعة أن الجفاف أثّر على الإنتاج الزراعي بشكل كبير، والمساحات المزروعة بالمحاصيل الشتوية هي القمح والشعير، وهما محصولان استراتيجيان تأثرا جدًا، خصوصًا المساحات المزروعة بعليًا.
وفيما يتعلق بالقمح، قال إن المساحات المزروعة كانت بحدود مليون ونصف مليون هكتار، نصفها بعلي ونصفها مروي، والمروي وضعه مقبول لأن الموارد المائية والمحروقات تم توفيرها، في حين خرجت 80% من المساحات المزروعة بعليًا عن الإنتاج.
ونقلت صحيفة "الوطن" المحلية، في 17 من أيار الحالي، عن "قطنا" أنه لا توجد أرقام محددة حاليًا لمحصول القمح، وستعتمد الوزارة على الكميات الاحتياطية المستوردة، إضافة إلى الإنتاج الحالي، لتغطية الاحتياج السنوي، الأمر الذي ينذر بأزمة خبز من شأنها أن تعيد مشهد الطوابير على الأفران إلى الواجهة. وقال رئيس مكتب التسويق في الاتحاد العام للفلاحين "خطار عماد"، في 18 من أيار الحالي، إن الكميات التي ستسوّق من القمح في الموسم الحالي، ستكون أقل من الكميات التي سُوّقت في الموسم الماضي.
والطريقة الوحيدة لتأمين محصول القمح وفقًا لهذه الظروف هي الاستيراد (من روسيا على الأغلب)، مما يعني مزيدً من استنزاف العملة الصعبة، ومزيدًا من تفاقم نسب التضخم.
مستقبل الأمن الغذائي... هل من بصيص أمل؟
يرى الخبراء أن إخراج الاقتصاد السوري من عنق الزجاج قد لا يكون مستحيلًا رغم الظروف الحالية، فالبلد يمتلك مؤهلات النشاط والانتعاش الاقتصادي بجدارة، لكن التعقيدات الجيوسياسية التي ترافق الأزمة تجعل الأمر غاية في الصعوبة وفقًا للمعطيات المتوفرة. ناهيك عن سوء التعامل والعجز الإداري والفساد الحكومي في مواجهة أغلب الأزمات مما يفاقم الأمر أكثر ويضيف مشكلة أخرى أمام المواطن السوري الذي يكابد ويشقى لتحصيل لقمة عشيه.
لذا فإن الخلاص الاقتصادي في سوريا مرتبط بشكل أو بآخر بحل التشابكات السياسية واستعادة الثقة المفقودة في صلاحية بيئة البلد للاستثمار والحركة الاقتصادية مجددًا.
المصدر: