زيادة أجور الموظفين في سورية... بين القواعد النظرية والواقع الصعب

يعيش عموم الموظفين والمتقاعدين في سورية، حالة من الترقب في كل مرة يتم الحديث فيها عن إمكانية زيادة الرواتب، متعلقين بهذا الأمل ولو كان مجرد إشاعة. ومتخوفين في الوقت ذاته من موجة الغلاء التي تصيب الضرائب والفواتير وكثير من الحاجيات مع كل علاوة على المعاشات.

الثوابت المتحكمة في زيادة الأجور

وتكمن بعض التفاصيل في موضوع زيادة الأجور في مختلف دول العالم. وعند استعراض الوضع في سورية فإن الأوضاع أكثر صعوبة من سواها. ويتضح هذا من الثوابت الثلاث التالية الحاكمة في مسألة الزيادة.

أولاً- مقارنة بين أدنى حد للأجور وأدنى مستوى للمعيشة

فإن أدق مؤشر لقياس مستوى الأجور، يجب أن يكون القيمة الشرائية للراتب، أو قدرته على تأمين السلع والخدمات المطلوبة للحد الأدنى من المعيشة. إذ لا قيمة لكثرة أصفار الراتب إن لم يكن يغطي احتياجات الحياة الأساسية.

وفي سوريا مثلاً، المعروف أن راتب الموظفين شهرياً لا يتجاوز حدود 60 ألف ليرة سورية، للمتقاعدين نحو 40 ألف ليرة. وعند النظر إلى الغلاء وتكلفة تأمين الاحتياجات الأساسية، لا يكاد يؤمن الراتب 20-25% منها. وفي تقرير لموقع "الليرة اليوم" تبين عدم تغطية الراتب لتكاليف 5 طبخات في الشهر، بغض النظر عن الاحتياجات الأخرى.

وأظهر تقرير، أن متوسط الرواتب الذي هو 50 ألف ليرة، يعادل في قدرته الشرائية قرابة 700 ليرة فقط في عام 2011، بينما متوسط الأجور في عام 2011 يعادل في قوته الشرائية 2 مليون ليرة تقريباً عام 2021.

ثانياً - المقارنة وفق التضخم وربط الأجور بالأسعار

فمن الطبيعي في جميع دول العالم، ارتفاع نسبة التضخم على أساس سنوي، وهي تختلف من دولة إلى أخرى، ومن سنة إلى أخرى. فبينما هي في هذه السنة 3 أو 5% في بعض الدول، فهي 15 أو 20% في دول أخرى. وقد تتجاوز ذلك بكثير في الوضع السوري الذي خسرت فيه العملة نحو 200% من قيمتها على أساس سنوي.

ومن الطبيعي في كل عام أو عامين، فرض علاوة على الراتب تكون موازية لمعدل التضخم في البلاد، وبالتالي يكون الحد الأدنى من الراتب (الراتب الأصغري) متناسب مع مستوى التضخم، لضمان تغطية جميع الاحتياجات الأساسية اللازمة للمعيشة. وفي سورية تزداد الأجور 9% كل عامين مع التوقف عند الترفيعة التاسعة، ولكن كل ذلك لا شيئ أمام خسارة 200% من قيمة الليرة.

ثالثاً - المصادر اللازمة لتغطية زيادة الأجور

فلا ينبغي بأي شكل من الأشكال، لجوء الدولة إلى طباعة أوراق نقدية لتغطية زيادة رواتب الموظفين. ويسمى ذلك اقتصادياً بمصطلح "التمويل بالعجز" وهي طباعة أوراق نقدية بلا رصيد وبلا اقتصاد يغطي تضخم العملة. وينتج عن فعل كهذا ارتفاع الأسعار بمعدل قد يفوق الزيادة الحاصلة في الأجور. وفي الوضع السوري نرى أثر طرح الفئة النقدية 5 آلاف ليرة دون سحب مقدارها من العملة القديمة، وما تسببت به من تضخم وهبوط في قيمة الليرة.

طرق تأمين زيادة الأجور

ولتأمين العلاوات المقدمة إلى الموظفين والمتقاعدين، سواء في سورية أو غيرها من الدول. من الضروري تحقيق نمو اقتصادي يسمح بتخصيص جزء منه لزيادة الأجور. بالإضافة إلى إعادة توزيع الدخل القومي ومراعاة الفئات الأقل دخلاً من المواطنين. وتقوية المجالات الاقتصادية للحفاظ على قيمة العملة. والتخلص من البطالة وتخفيض مستويات التضخم.