سر العلاقة الطردية بين الليرة السورية واللبنانية

العلاقة بين الليرة السورية واللبنانية

تعود العلاقة بين الليرة السورية واللبنانية إلى زمن طويل حيث تعامل السوريون مع البنوك والمصارف اللبنانية منذ عشرات السنين. وذلك منذ انتهاء الاتحاد الجمركي السوري اللبناني عام 1950، بالإضافة إلى تحول دمشق في تلك الحقبة إلى السياسة الاشتراكية، واعتماد ملكية الدولة لوسائل الإنتاج.

أما خلال الفترة الماضية، ومع تتابع الأزمات على كلا البلدين، فقد أصبحت العلاقة بين العملتين الشقيقتين أكثر وضوحاً واطّراداً.

لبنان قبلة للأموال السورية:

لطالما فرضت الحكومة السورية رقابة شديدة على حركة الأموال، واحتسبت التعامل بالدولار جرماً يحاسب عليه القانون. فجعل ذلك من لبنان وجهة للمال الهارب من وجه الرقابة، وأصبحت عملية تهريب الأموال إلى لبنان تحت جنح الظلام تجارة رابحة للكثير من الأشخاص.

وتعززت مكانة لبنان كقبلة للأموال السورية بعد عام 2011، حين لجأ الكثيرون إلى إيداع مدخراتهم مع بداية الأزمة وتخوف الناس على مصير أموالهم. وزاد من ذلك اعتماد العديد من التجار على البنوك اللبنانية لإتمام صفقاتهم التجارية، خصوصا بعد فرض العقوبات على سوريا ومنع التعامل معها مصرفيا وتجاريا. ناهيك عن الذين أودعوا أموالهم في لبنان مقابل الحصول على إقامة هناك، هربا من المعارك الدائرة في سوريا خلال فترة الحرب.

هكذا بدأت الأزمة المشتركة:

عند اندلاع الاحتجاجات في لبنان في 17 من تشرين الأول عام 2019، اعتراضاً على الأوضاع الاقتصادية الخانقة وعلى الطبقة السياسية في لبنان، أغلقت البنوك اللبنانية أبوابها لمدة أسبوعين كبداية، خوفا من مسارعة المودعين إلى سحب أموالهم من المصارف.

عادت بنوك لبنان بعد ذلك إلى الإغلاق لمدة أسبوع واحد، قبل أن تفرض هذه البنوك سقوف للسحوبات والتحويلات الخارجية، ولم تعد تمنح المودعين أموالهم إلا بالليرة بحد أقصى يصل إلى ما يعادل 300 دولار أسبوعيا.

انعكست هذه الأزمة على الداخل السوري بعدة أشكال، أهمها كان عجز مصارف لبنان عن تأمين القطع الأجنبي للتجار السوريين من أجل استمرار أعمالهم.  فتوجه التجار بشكل تلقائي إلى تأمين العملة الصعبة من السوق الداخلية، وهو ما أدى إلى انخفاض قيمة الليرة السورية من جديد، بالإضافة إلى الانخفاض الذي وقع عليها خلال فترة الحرب. فالوضع الاقتصادي ومخزون العملة الصعبة في البلد حينها كان لا يحتمل أي ضغط أو استنزاف أساساً، وكان من الواضح – منذ ذلك الوقت - أن نهاية هذا الطريق لن تحمل معها الخير للعملة السورية.

التأثير الآخر الذي سبب اضطراب الأرضية الاقتصادية في سورية حينها هو مشكلة الحوالات المصرفية التي كانت تُرسل من لبنان. سواءً كانت من العاملين داخل لبنان أو من قبل المغتربين الذين كانوا يفضلون إرسال الأموال لأهاليهم عن طريق لبنان للحفاظ على قيمة حوالاتهم، حيث أن المصرف المركزي السوري يسلم الحوالات بسعر صرف أقل بكثير من السوق السوداء.

فالعمال السوريون في لبنان الذين يقبضون أجورهم بالليرة اللبنانية، أصبحوا عاجزين عن شراء الدولار من المصارف اللبنانية، ما يضطرهم إلى شرائه من السوق السوداء بأسعار أعلى بكثير. وكذلك عزف المغتربون عن التحويل إلى لبنان خوفاً على أموالهم من ضياع قسم كبير منها بسبب الفروقات في أسعار الصرف.

ارتباط الليرة السورية واللبنانية أكبر مما يعتقد الكثير:

تصف الخبيرة الاقتصادية "ليال منصور" الواقع، بأن لبنان وسوريا كأنما "أصبحا بلداً واحداً فيما يخص توفر الدولار أو ندرته". ويتحدث العديد من الخبراء عن الليرة السورية واللبنانية في سياقٍ واحد معتقدين بأنهما "توأمين".

وفي نيسان 2020، قال وزير الاقتصاد السوري السابق وحاكم مصرف سوريا المركزي الأسبق "أديب ميالة"، إن مدخرات رجال الأعمال السوريين في لبنان كانت ستُسخّر لمرحلة إعادة الإعمار في سوريا.

 وأشار "ميالة" خلال مقابلة مطولة إلى “ارتباط وثيق بين الاقتصادين السوري واللبناني على صعيد الأرصدة البنكية والاستثمارات”. واعتبر "ميالة" أن الأزمة اللبنانية أثرت بشكل كبير على سوريا من ناحية تجميد الأرصدة السورية في لبنان، خاصة مع التشابك الكبير بين المصارف السورية واللبنانية.

وفي مطلع شهر آذار 2021 صرح "زكي محشي" الخبير الاقتصادي والباحث لدى معهد “تشاتام هاوس”، لوكالة أنباء عالمية قائلاً: "إن ما يحصل في لبنان يؤثر على الليرة السورية، لأن لبنان يعد أحد أبرز الممرات التي تربط الحكومة السورية بالسوق الخارجية".

موضوع متعلق: بوادر انفراج سياسي في لبنان تنعش الليرة اللبنانية وتؤثر إيجاباً على السورية