حالة الهلع التي حدثت البارحة بالأسواق العالمية... خبراء يشرحون الموقف

عمت حالة من الهلع في البورصات العالمية، صباح أمس الاثنين، في خضم عمليات بيع مكثفة دفعت مؤشرات أسواق رئيسية في آسيا وأوروبا إلى هبوط هو الأعنف منذ عقود، متأثرة بمخاوف انهيار المؤشرات الأميركية على خلفية ركود محتمل وتقلبات مع اقتراب الانتخابات.

ويعبر خبراء عما حصل بقولهم "لقد عطست البورصات الأميركية فأصابت بورصات عالمية كبرى بالتهاب رئوي"، إذ اجتاح الخوف أسواق مال رئيسية، من انزلاق أسواق وول ستريت إلى هبوط عنيف بفعل الخوف من ركود أكبر اقتصاد في العالم، لتتعرض مؤشرات الأسهم في أسواق رئيسية في آسيا وأوروبا إلى موجة هبوط هي الأعنف منذ عقود، وتضطر بعضها إلى إيقاف التداول لكبح الانهيار، بعدما كسا اللون الأحمر شاشات التداول.

في أسواق الأسهم الآسيوية، كان انخفاض المؤشرات أكثر وضوحاً، لا سيما في طوكيو التي تراجع مؤشرها الرئيسي، نيكاي، بنسبة 12.4%، بمقدار 4400 نقطة مسجلاً أسوأ انخفاض تاريخي له منذ انهيار سوق الأسهم في اليابان في أكتوبر/ تشرين الأول 1987. وهبط مؤشر توبكس الأوسع نطاقاً بنسبة 12.2%. ويأتي انخفاض "الاثنين الأسود"، أمس، بعد هبوط حاد يوم الجمعة الماضي عندما انخفض مؤشرا نيكاي وتوبكس بأكثر من 5% و6% على الترتيب.

وقد جاءت تراجعات أمس في الأسواق العالمية، بعدما سجلت المؤشرات الأميركية هبوطاً حاداً خلال الأسبوع الماضي، حيث تراجع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 2.28%، كما تراجع مؤشر ناسداك المجمع 3.83% وهبط مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 2.37%.

ودفع هذا التراجع ناسداك إلى الانخفاض بأكثر من 10% من أعلى مستوى إغلاق له في يوليو/تموز الماضي، مما يؤكد أن المؤشر في حالة تصحيح، كما بلغ مؤشر ستاندرد آند بورز 500 أدنى مستوياته منذ الرابع من يونيو/حزيران.

كيف يفسر الخبراء ما حدث في الأسواق العالمية يوم الاثنين؟

وصف مدير شركة مونيكس غروب للخدمات المالية "جيسبر كول"، ما تعرضت له أسواق رئيسية في العالم من هبوط حاد لا سيما اليابان بأنه "التهاب رئوي" نتيجة عطسة في نيويورك، قائلاً إن "استجابة السوق تعكس تدهور التوقعات الاقتصادية الأميركية. لقد كانت عطسة نيويورك هي التي أجبرت اليابان على الإصابة بالالتهاب الرئوي".

وأضاف لصحيفة نيويورك تايمز، أمس، أن التشخيص أكثر كآبة بالنسبة لليابان، لأن الين القوي سيكون عبئاً على أرباح الشركات، وخاصة بالنسبة للعديد من الشركات الكبرى التي تعتمد على البيع في الخارج. وأشار إلى أن المستثمرين عادة ما يهرعون لشراء الأسهم عندما تنخفض الأسعار بشكل كبير، ولكن "الأمر المثير للقلق هو أننا لا نرى مشترين".

حيث تشهد الأسواق العالمية تحولاً سريعاً في المزاج، فقبل أسبوعين فقط كانت أسواق الأسهم في مسار صعودي لا يمكن إيقافه على ما يبدو، وذلك بعد أشهر من تسجيل أعلى مستوياتها على الإطلاق. والآن هي في سقوط حر، ويسيطر الذعر على المستثمرين. فقد ارتفع "مقياس الخوف" في وول ستريت، حيث صعد مؤشر فيكس، الذي يقيس التقلبات المتوقعة من خلال الأسعار التي يدفعها المتداولون لحماية أنفسهم منها، إلى أعلى مستوياته منذ الأزمة المصرفية الإقليمية في أميركا العام الماضي.

وبعيداً عن المؤشرات العمومية، إذا نظرنا إلى القطاعات والشركات، فسوف نجد أن المزاج أكثر جنوناً. فقد انخفض مؤشر فيلادلفيا لأشباه الموصلات، الذي يتتبع الشركات في سلسلة توريد صناعة الرقائق الإلكترونية على مستوى العالم، بأكثر من الخُمس في غضون أسابيع. 

وخسرت شركة آرم، وهي واحدة من هذه الشركات، 40% من قيمتها السوقية. كما أن سعر سهم شركة إنفيديا، التي كانت محبوبة في فترة الصعود السابقة، تأرجح بشدة خلال الأيام الثلاثة الأخيرة من يوليو/تموز الماضي، حيث انخفض بنسبة 7%، ثم ارتفع بنسبة 13%، ثم انخفض مرة أخرى بنسبة 7%. 

وفي الثاني من أغسطس/آب الحالي، انخفضت قيمة شركة إنتل بأكثر من الربع. ولم يقتصر الأمر على صناعة أشباه الموصلات. فقد انخفض مؤشر "كيه بي دبليو" للأسهم المصرفية الأميركية بنسبة 8% في غضون أيام. كما انخفضت أسعار أسهم البنوك اليابانية بشكل حاد.

وما يزيد فزع المستثمرين هو أن الملاذات الآمنة التي كانوا يهرعون إليها في أوقات انهيار أسواق الأسهم تتعرض لهزات أيضا، فسعر الذهب تراجع بنسبة لافتة في الثاني من أغسطس/آب الجاري، حيث انخفض من الذروة إلى القاع بأكثر من 2%.

وقالت رئيسة استراتيجية العملات في "ساكسو بنك"، تشارو تشانانا، لوكالة بلومبيرغ الأميركية، إنه "كلما زادت الشكوك حول تحقيق الاقتصاد الأميركي لسيناريو الهبوط السلس؛ زاد التراجع الذي يمكن أن نشهده في الأسهم".

وتظهر تحركات مؤشرات الأسهم أن المخاوف من الركود الأميركي تغلبت على مخاوف التضخم التي كانت سائدة من قبل. وقال الخبير الاقتصادي والمستشار في شركة أليانز العالمية "محمد العريان"، الذي سبق أن حذر مراراً من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بطيء للغاية في خفض أسعار الفائدة، إن البنك المركزي يجب أن يدير "توازن المخاطر" في مكافحة التضخم المرتفع وتدهور النمو. 

وأضاف "العريان"، وفق ما نقلت نيويورك تايمز أن الخطر الأكبر من بين هذين الأمرين هو أن "الاقتصاد سوف يضعف بشكل غير ضروري إذا لم يتخذوا أي إجراء".

كما يشير محللون إلى أن الاقتصاد يواجه تحديات كبيرة إضافية مع اقتراب الولايات المتحدة من الانتخابات، حيث "أصبحت السوق أكثر تقلباً"، وفق ما كتب كبير مسؤولي الاستثمار في مؤسسة "إندبندنت ادفايزور أليانز"، كريس زاكاريلي، في مذكرة بحثية. وأضاف أن جهود بنك الاحتياطي الفيدرالي لتحقيق هبوط ناعم "قد تكون في خطر إذا تباطأ النمو بسرعة كبيرة، أو ظل التضخم مرتفعاً بعناد".

وخلال مؤتمره الصحافي الأخير، رفض رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، تحديد موعد خطط بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة، لكنه أشار إلى أن "سبتمبر/أيلول على الطاولة".

وكتب كبير خبراء الاقتصاد الأميركي في بنك "جيه بي مورغان"، مايكل فيرولي، في مذكرة للعملاء، وفق صحيفة فايننشال تايمز البريطانية: "حتى لو خُففت ظروف سوق العمل من الآن فصاعداً، فيبدو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي متخلف بمقدار 100 نقطة أساس على الأقل، وربما أكثر.. لذا نعتقد الآن أن لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية ستخفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماعي سبتمبر/أيلول ونوفمبر/تشرين الثاني، تليها تخفيضات بمقدار 25 نقطة أساس في كل اجتماع بعد ذلك".

وعلّق المحلل في شركة إدارة الأصول "اس بي آي أسيت مانجمنت"، ستيفن إينيس، بأن تراجع أمس في أسواق المال العالمية "سببه تقرير الوظائف الأميركي الذي نُشر يوم الجمعة، وانعكس في انخفاض عوائد الأسهم والسندات" في بورصة وول ستريت في نيويورك.

وقال "إينيس" وفق فرانس برس، إنه في حال "خفض الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر/أيلول الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، بدلاً من 25 نقطة توقعها السوق"، فستكون هذه طريقته للإقرار بأنه استغرق وقتاً طويلاً قبل تليين سياسته النقدية.