إقرار موازنة 2024 رسميًا مع عجزٍ هائل وحصة متواضعة للرواتب والأجور
أقر مجلس الشعب السوري في جلسته الثالثة والثلاثين من الدورة العادية العاشرة للدور التشريعي الثالث المنعقدة أمس مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2024 وأصبح قانوناً.
ووفقاً للمشروع تم تحديد اعتمادات الموازنة بمبلغ إجمالي قدره 35500 مليار ليرة موزعة على 26500 مليار ليرة للإنفاق الجاري و9000 مليار ليرة للإنفاق الاستثماري في حين بلغ إجمالي العجز 9404 مليارات ليرة.
وقبل ذلك، كانت عضو مجلس إدارة جمعية العلوم الاقتصادية السورية الدكتورة "رشا سيروب"، قد بيّنت أنه عند دراسة الموازنة العامة للدولة يتبين أنها موازنة يتم الالتزام بها خلال المهل الدستورية من حيث مواعيد إصدارها وإقرارها، ولكن على أرض الواقع لا التزام ببنودها أو بالسياسات التي يحكى بها ضمن هذه البنود، وطبعاً هذا في حال افتراض إمكانية إطلاق وصف موازنة عامة للدولة عليها، لأن الموازنة حسب القانون المالي الأساسي هي خطة مالية تكون الغاية منها تحقيق أهداف الخطة الاقتصادية والأهداف التنموية للعام التالي.
موازنات بلا أهداف:
واعتبرت "سيروب" خلال ورقة عمل قدمتها في الحلقة النقاشية التي أقامتها الجمعية، أن جميع الموازنات من دون استثناء لا تشمل أي مستهدفات، موضحة بأن الحكومة عندما تقول إنها ستنفق 35.5 تريليون ليرة سورية في العام القادم، لم تحدد معدل النمو الاقتصادي المستهدف أو معدل البطالة الذي ترغب في تخفيضه، أو معدل التضخم، باستثناء موازنة عام 2023 التي ذكرت معدلات النمو المستهدف، إلا أنها لم تحقق بشكل كامل، وذلك يعود إلى عدم تحديد هذه المعدلات بناء على أرقام تنطلق من الواقع.
وتابعت: "بالنظر إلى قطع الحسابات والأرقام الفعلية، فإن موازنة العام القادم تشكل جميع الأرقام الفعلية التي أنفقت في جميع سنوات الحرب، إذا هذا يعد مؤشراً على ضخامة أرقام هذه الموازنة مقارنة مع الأرقام الفعلية التي تنفق، ولكن على اعتبار أن هذه الأرقام هي وثيقة رسمية فيجب تحليلها ودراستها".
وبدأت "سيروب" فيما بعد بتحليل أرقام موازنة العام القادمة، التي تبيّن أن حجم الإنفاق الجاري يقدر بـ26.5 تريليون ليرة، والاستثماري بـ9 تريليونات ليرة، على حين وصل حجم الإيرادات الجارية إلى 15 تريليون ليرة فقط، والإيرادات الاستثمارية 11 تريليون ليرة، فيما وصلت نسبة العجز بالموازنة إلى 9.4 بالمئة، وهذا ما تصر الحكومة بشكل دائم على إبرازه للتذكير بأن هذا العجز يرهق الخزينة العامة للدولة، وأن السبب الأساسي فيه هو الإنفاق العام.
وفي السياق، أشارت "سيروب" إلى أن أكبر نسبة زيادة في بنود موازنة العام القادم مقارنة بالعام الحالي تتمثل في الاعتمادات الاستثمارية والتي ازدادت بنسبة 200 بالمئة، ولكن عندما يتم تفصيل أرقام هذه الاعتمادات يتبيّن وجود نسبة تتراوح بين 20-30 بالمئة تسمى بالاحتياطات الاستثمارية، أي إن هذه النسبة غير مخصصة للمؤسسات الحكومية ويتم اللجوء إليها في حال أنفقت بعض هذه المؤسسات كامل حجم الإنفاق الاستثماري المخصص لها، ولكن لا يتم استخدام هذه الاحتياطات لأن نسب تنفيذ الموازنة الاستثمارية لا تتجاوز 40-50 بالمئة بأفضل حالاتها، وقد يتم استخدامها لاحقاً في بعض المناقلات بين الإنفاق الاستثماري والجاري.
وأشارت "سيروب" إلى أن الاعتمادات الجارية «الرواتب والأجور، النفقات الإدارية والتحويلية، الديون والالتزامات واجبة الأداء» ازدادت بنسبة 95 بالمئة مقارنة بموازنة العام الحالي، ولكن فعلياً تقل النسبة الحقيقية عن ذلك، فمثلاً الزيادة في كتلة الرواتب والتي تصل إلى 116 بالمئة نفّذت أساساً في العام الحالي، ولكن بالمجمل بالنظر إلى جميع بنود الموازنة الحالية يتبيّن أن الأرقام ازدادت جميعها بنسبة 100 بالمئة بشكل مبالغ به.
وأعادت ذلك إلى عدة أسباب أساسية مذكورة في البيان المالي الحكومي، حيث تم اعتماد سعر صرف الدولار في موازنة العام القادم بـ11500 ليرة، وهذا يعد نقلة نوعية، ففي عام 2023 كان سعر الصرف المعتمد 3000 ليرة، أي هناك زيادة فيه تقدر بـ283 بالمئة، كما أنه تم تسعير القمح الوطني بـ4200 ليرة، علماً أنه كان في العام الحالي 2800 ليرة، وهذا ما ينعكس على النفقات التحويلية أو مساهمة الدولة في تثبيت الأسعار، إضافة إلى سعر القمح المستورد الذي تم تسعيره بـ4156 ليرة في حين كان بـ1350 ليرة، أي إن الزيادة فيه وصلت إلى نحو 300 بالمئة.
وفي السياق ذاته، بيّنت "سيروب" أن الرواتب والأجور في موازنة العام القادم شكلت 17 بالمئة من مجمل الاعتمادات الجارية، أما النسبة الأكبر فتركزت ببند الديون والالتزامات واجبة الأداء، حيث وصلت التزامات الدين العام في عام 2024 إلى تريليوني ليرة كسداد أقساط وفوائد سواء لقروض داخلية أو خارجية أو سندات الخزينة، إضافة إلى الاعتمادات غير الموزعة الأخرى التي تشكل وزناً كبيراً جداً من الإنفاق الجاري والديون والالتزامات واجبة الأداء.
وأشارت إلى أنه في السنوات الثلاث الأخيرة تغيّرت التركيبة الهيكلية للإنفاق الجاري، فعلى سبيل المثال شكلت الديون والالتزامات الواجبة الأداء في عام 2021 نسبة 26 بالمئة، لتصبح 44 بالمئة في عام 2024، علماً أن هذه النفقات تسمى نفقات غير منتجة.