الليرة التركية تنخفض بثبات... السبب سياسة نقدية غريبة تتبعها الحكومة
تشهد الليرة التركية مؤخرًا حالة من الاستقرار والثبات في الاتجاه الهابط، إذ بات من الطبيعي أن يكون سعر صرفها هذا الشهر أقل من الذي قبله وهكذا، لدرجة لفتت انتباه الكثير من المستثمرين والمتداولين.
وقد انخفضت العملة بما يزيد عن 35% هذا العام، وهو أكبر انخفاض في الأسواق الناشئة بعد البيزو الأرجنتيني.
ويجتذب الثبات غير المعتاد لانخفاض قيمة الليرة اهتمام المستثمرين الذين يقترضون حيث تكون أسعار الفائدة منخفضة، ويسعون إلى استثمار الأموال في أعمالهم حيث تكون العائدات أعلى.
وحتى الآن هذا العام، أدى الضعف المزمن لليرة التركية وأحد أسرع معدلات التضخم على مستوى العالم إلى أسوأ عوائد في العالم.
وفي حين أن العملة ما تزال تفقد قيمتها باستمرار، حيث واصلت مستوياتها المنخفضة قياسياً كل يوم تقريباً على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، فقد تم احتواء خسائرها اليومية ضمن نطاق ضيق للغاية، حيث بلغ متوسطها ما يزيد قليلاً عن 0.1%.
ونتيجة لذلك، انخفض التقلب الضمني لمدة شهر واحد، وهو مقياس لتقلبات الأسعار المتوقعة في العملة، إلى أقل من 10% هذا الشهر ليقترب من أدنى مستوى هذا العام.
وعندما يقترن هذا التقلب المنخفض بارتفاع العائدات على السندات التركية، يخلق عرضاً جذاباً للتداولات، وفقاً لكبير المستشارين في "إيست كابيتال" في دبي "إمري أكجاكماك" الذي قال إن "بعض المستثمرين الآن ينفضون الغبار عن جداول بياناتهم القديمة".
ووصف "أكجاكماك" الليرة بأنها تُظهر "سلوكاً يشبه الربط الزاحف"، في إشارة إلى سياسة الحكومة التي تسمح فقط بالتحولات التدريجية في العملة، ملاحظاً "التحول في الديناميكيات، حيث تتجاوز العائدات قصيرة الأجل الآن التغيرات الأخيرة في التكافؤ".
ويعني الخبير بذلك أنه يمكن للمستثمرين الآن أن يكسبوا من السندات التركية قصيرة الأجل أكثر مما سيخسرونه من انخفاض قيمة العملة.
وفي الوقت نفسه، كانت الانخفاضات الشهرية التراكمية في العملة أقل من التضخم الشهري منذ أغسطس/آب، بما يعني أن قيمة الليرة ترتفع بالقيمة الحقيقية.
وفي حين أن الحكومة لم تُشر إلى أن جذب رأس المال الأجنبي من خلال صفقات الشراء بالاقتراض هو جزء من سياستها، إلا أن وزير المالية "محمد شيمشك"، وهو مصرفي استثماري سابق، قال في وقت سابق من هذا الشهر، إن ضمان الارتفاع الحقيقي للعملة هو جزء من سياستها.
ويتوقع الاستراتيجيون في "بنك باركليز" أن يستمر انخفاض قيمة الليرة بوتيرة "تؤدي إلى استقرار سعر الصرف الفعلي الحقيقي للعملة"، والذي يمثل فروق التضخم بين الدولة وشركائها التجاريين الرئيسيين.
ويتوقع "باركليز" أن تنخفض الليرة أكثر مما سيكسبه المستثمرون، مما يجعل تجارة المناقلة غير جذابة. وعلى النقيض من ذلك، يعتقد الاستراتيجيون في مجموعة "غولدمان ساكس" أن "الليرة يمكن أن تتفوق على علاوة المخاطر المرتفعة في العام المقبل مع تحول أسعار الفائدة الحقيقية إلى إيجابية".
وقد تم التخلي عن صفقات المناقلة على الأصول التركية التي كانت ذات يوم مفضلة لمستثمري الأسواق الناشئة قبل سنوات، بعد أن فرض المسؤولون في أنقرة سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى تثبيط البيع على المكشوف لليرة.
وتم تعيين فريق أكثر ملاءمة مع مزاج السوق العالمي من المسؤولين الاقتصاديين، بقيادة "شيمشك" ومحافظة البنك المركزي "حفيظة أغاي أركان"، وهي أيضاً مصرفية استثمارية سابقة، من قبل الرئيس "رجب طيب أردوغان" بعد الانتخابات التي أُجريت في مايو/أيار الفائت. وقد ألغيا تدريجاً اللوائح السابقة في محاولة لاستعادة ثقة المستثمرين.
إلا أن من بين العوائق التي تحول دون جذب الأموال إلى تركيا مجدداً انخفاض مستوى احتياطيات النقد الأجنبي لديها والتضخم الثابت الذي قد يفرض المزيد من الزيادات في أسعار الفائدة.
ومع ذلك، فإن مصدر القلق الأكبر بين المستثمرين هو أكثر من عقد من صنع السياسات غير المنتظمة.
ومع انخفاض أحجام سوق العملات بالمعايير التاريخية، أصبح المقرضون الذين تديرهم الدولة الموردين الرئيسيين للعملة الأجنبية لاقتصاد تركيا البالغ حجمه 900 مليار دولار، بما يمنحهم فعلياً القدرة على تحديد أسعار الفائدة.