باعتراف رسمي... الاقتصاد السوري يسقط بفخ الدولرة كما حدث في لبنان
بدءاً من العقارات إلى السيارات، ومعدات الطاقة الشمسية ومستلزمات الإكساء، وصولاً للسلع الأساسية اليومية للمواطنين، حتى الخضار والفاكهة مؤخراً؛ باتت ظاهرة الدولرة واقعًا يفرض نفسه في سوريا.
وحتى المشتريات الصغيرة التي تتمّ بالليرة، تكون محتسبة أساساً بناءً على سعر الصرف، وهو أمر ملموس يومياً في أية عملية شرائية.
أما إذا نظرنا إلى أسواق العقارات (بيعاً أو إيجاراً)، والسيارات والتجهيزات الطبية والكهربائية، وأي من السلع المعمرة، فمعظمها تباع وتشترى مباشرة بالدولار.
ورغم أن القوانين والتشريعات تمنع التعامل بغير الليرة، مما ينفي تطبيق الدولرة مباشرة على الاقتصاد، إلا أن ما يتمّ من عمليات تجارية على نطاق واسع يسميه الخبراء بـ "الدولرة غير المباشرة"، وهي ظاهرة موجودة وتفرض نفسها بقوة.
وقد وجد قطاع الأعمال وحتى المستهلكون بعملياتهم الشرائية الكبيرة بهذه الآلية، أسلوبًا لحماية قيمة ممتلكاتهم أمام التذبذب اليومي بسعر الصرف.
الدولرة في سوريا... مجرد تحصيل حاصل:
يعترف الأستاذ في كلية الاقتصاد وعضو المجلس الاستشاري برئاسة مجلس الوزراء الدكتور "عابد فضلية"، أن التعاملات التجارية الكبرى، إما تتمّ بالدولار أو أنها تستند بشكل غير مباشر إلى قيمة الدولار في السوق السوداء.
وينوه إلى أن هذه الآلية في التعامل باستخدام عملة أجنبية بالتبادلات ممنوعة قانوناً، أما التعاملات التجارية بالليرة السورية استناداً إلى قيمة الدولار في السوق، فهي مسألة منطقية وقانونية طالما تمّ الالتزام باستخدام العملة الوطنية في التبادل، وهو ما تعرفه وتتقبله الجهات الحكومية بشكل غير رسمي.
ويستدرك قائلًا: "لكن بافتراض أن هذا السعر منطقي وتوازني حقيقي، وهو قد يكون كذلك وربما لا، فما يقوله الجانب الرسمي بأن هناك مخالفة لقائمة الأسعار ليس صحيحاً ومنطقياً دائماً".
وأوضح "فضلية" أن الدولرة، والتي تعني اعتماد بعض الأنشطة على الدولار كعملة تبادل داخلية بدلاً من الليرة السورية، هي "تحصيل حاصل" نتيجة تذبذب سعر القطع الأجنبي الذي يصبح معياراً لتحديد القيم والسعر.
ويلفت إلى أن التضييق على الدولرة سيعيق ويلجم الأنشطة الاقتصادية التي تتعامل بالدولار بشكل مباشر (وهذا مبرّر قانونياً)، لكن في الوقت ذاته سيعيق ويحبط أنظمة وسلوكيات التبادل بالليرة السورية المستندة إلى قيمة الدولار، رغم أنها ليست مخالفة للقانون.
ويضيف: "عندما نقول إن هذا أو ذاك التشريع يحبط ويضيق ويلجم ويعطل الأنشطة الإنتاجية، فهذا يعني أن هناك مشكلة بهذا التشريع، والحلّ هو بالتشريع والتطبيق الذي يوازيه".
خلل بالسياسة النقدية في سوريا:
بدوره أيضاً لم ينفِ الأكاديمي الدكتور شفيق عربش أن معظم البيوع الكبيرة تُحتسب بالقطع الأجنبي، متسائلًا: إلى متى ستبقى السياسة النقدية تقود الأمور بهذا الاتجاه؟ فالتعامل سراً بالدولار ناتج عن خلل بالسياسة النقدية، ومنذ أن أقرّ المركزي في 2012 أنه سيسعى من خلال الاحتياطي النقدي الذي كان يملكه قبل الحرب، لتثبيت سعر صرف الليرة، فقد أخذ المعركة الاقتصادية باتجاه خاسر.
ويعتبر أن السوريون اليوم يدفعون ثمن تلك السياسات الخاطئة، والتي لازالت مستمرة ومتشبثة بالأخطاء نفسها، فلا يوجد سياسة مالية ونقدية حقيقية مدروسة بإتقان، ومعدّة بناءً على نظريات علمية تطبق على الواقع، بل الارتجال يسيطر على كل شيء.
وبما أن كلّ عمليات البيع والشراء التي تحدثنا عنها تكون عبر قطع مؤمّن من مصادر غير رسمية، اعتبر "عربش" أن ما نراه اليوم من ارتفاع بسعر الصرف هو نتيجة لهذه التعاملات والمدفوعات التي تتمّ سراً بدلاً من القنوات الرسمية، ومن المستغرب الاستمرار بهذه السياسة حتى الآن.
وأضاف قائلًا: "لماذا تستمر السلطة النقدية بالتضييق والوصاية المتعسفة على المواطنين وتصرفهم بحساباتهم البنكية، وتحت أي اقتصاد تندرج هذه الإجراءات، فلا هي اشتراكية ولا رأسمالية، بل إجراءات سورية متخبطة ناتجة عن ضعف إمكانات علمية وإدارية".
ما الحل إذن؟
اعتبر "عربش" أن الحل هو تحرير الاقتصاد بالكامل، والمطلوب من السلطة التنفيذية مجموعة من القوانين والتشريعات التي تؤمّن انسيابية السلع في جو من المنافسة الحقيقية، وضرب الاحتكار، وتطبيق أحكام القوانين النافذة لتحقيق الغاية التي أوجدت لأجلها، بدلاً من التدخل بكل صغيرة ولعب دور تاجر مضارب في السوق.
وبيّن الخبير الاقتصادي أن الأسعار عملياً محرّرة، وعندما تقول الحكومة إنها تبيع سلعاً بسعر التكلفة، فهي أول من لجأ إلى تحرير الأسعار، والدليل أن أسعار معظم السلع أغلى من دول الجوار، لكن المشكلة ليست بتحرير الأسعار بل بضرب الاحتكار، فكل ما نشهده اليوم بهذا المجال ناتج عن إدارة سيئة للتجارة الخارجية.