هكذا استفادت المقاومة الفلسطينية من العملات المشفرة في التمويل والتبرعات
انبثق عن النجاح الكبير الذي حققته عملية طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية على جيش الاحتلال الإسرائيلي يوم السبت 7 من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، العديد من التساؤلات حول طريقة تمويل المقاومة لهذه العملية، وكيفية حصولها على التبرعات.
وقال "ماثيو ليفيت"، وهو مسؤول أمريكي سابق متخصص في "مكافحة الإرهاب"، إن القسط الأكبر من ميزانية حماس التي تزيد على 300 مليون دولار يأتي من الضرائب على النشاط الاقتصادي ومن دول مثل إيران وقطر أو الجمعيات الخيرية.
وقال "ليفيت" إن حماس يتزايد استخدامها للعملات المشفرة أو بطاقات الائتمان أو الصفقات التجارية غير الحقيقية لتجنب القيود الدولية المتزايدة.
وقال "توم روبنسون"، المشارك في تأسيس شركة (إليبتيك) لأبحاث سلسلة كتل قواعد البيانات (بلوكتشين): "حماس من أكثر مستخدمي العملات المشفرة نجاحا في التمويل".
ومن غير الواضح حجم الأموال التي تلقتها حماس بالعملات المشفرة، ولكن هناك أدلة على أنها جمعت مبالغ كبيرة.
ووفقا لـ "ديمتري ماتشيخين"، الرئيس التنفيذي لبرنامج تحليلات العملات المشفرة BitOK، تلقت عناوين العملات المشفرة المرتبطة بحماس والتي استولت عليها السلطات الإسرائيلية ما يقرب من 41 مليون دولار بين عامي 2020 و2023، حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية لأول مرة.
وبشكل منفصل، بلغت قيمة العملات المشفرة التي استولت عليها إسرائيل بسبب صلات مزعومة بحماس وجماعة فلسطينية مسلحة أخرى عشرات الملايين من الدولارات، وفقا لمحللين تحدثوا إلى CNN.
ويذكر هنا أن الاستيلاء على محافظ العملات المشفرة التابعة لحماس كان غالبًا عن طريق تواطؤ المنصات المخدمة لها مع الاحتلال.
من جهتها، اعترفت منصّة "بينانس" بتعاونها مع الاحتلال في الحد من الأنشطة المالية المتعلقة بالإرهاب، وأكدت شراكتها مع "كوين ديسك" CoinDesk الأسبوع الماضي على هذا الصعيد.
ورغم إقرار المنصّة بأنّها حظرت عدداً صغيراً من الحسابات، وفقاً لصحيفة "فايننشال تايمز" إلّا أنّها امتنعت عن تحديد العدد بدقة.
ورغم ذلك يؤكد "أشرف مشتهي"، الخبير في أمن الحاسوب والمعلومات، أن تقنية البيتكوين تُعَدُّ آمنة جدا من حيث إمكانية نقل العملة الرقمية بين أي طرفين مباشرة، دون الحاجة إلى وجود طرف ثالث يعمل على تسهيل عملية النقل، أو حتى كشف حركات تنقل الأموال بين الأطراف المختلفة.
ويستدرك، في حديثه لوكالة "الجزيرة"، بالقول إن التهديد الأكبر يكون عند تحويل تلك الأموال الرقمية إلى مصرف أو ما شابه، لكي يقوم باستبدالها بالعملة النقدية الورقية التي نتداولها في حياتنا اليومية، حيث تكون تلك الحركات المالية الخاصة بكل مصرف تحت المتابعة على مدار الساعة، ومن خلالها يُمكن تحديد مسار الأموال، ومن ثمَّ تحديد المصدر الذي حوَّلها إلى المصرف. لذا يؤكد مشتهي، في حديثه "لميدان"، أن على حماس الاعتماد على وسائل مختلفة أخرى لتجاوز هذه المعوقات إن هي أرادت الاستمرار في الاعتماد على العملات الرقمية بعيدا عن أعين إسرائيل.
حرب العملات المشفرة... قصة من 2019:
في أواخر يناير/كانون الثاني 2019، فاجأت كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة حماس) الجميع بإعلانها بدء استقبال التبرعات عبر العملة الرقمية الأكثر شيوعا "البيتكوين"، حينها أرسل القسام عبر قناته على تلغرام التي تضم 180 ألف متابع مُعلنا بدء استقبال العملات المشفرة عبر رسالة تقول: "احجز لنفسك حصة لدعم المقاومة من خلال رابط التبرع بالبيتكوين".
فُسِّرت هذه الخطوة وقتها بأنها استجابة للأزمة المالية التي تعاني منها حماس، التي دفعت جناحها العسكري إلى اللجوء للعملات المشفرة التي توفر مستويات عالية من السرية كونها لا تحتوي على رقم تسلسلي ولا تخضع لسيطرة الحكومات والبنوك المركزية.
ولجأت حماس إلى هذه الخطوة بعد اختناق غزة بالحصار الذي بدأ عام 2007، وإغلاق الأنفاق المؤدية إلى القطاع عام 2013، ما فاقم أزمة الحركة عبر حرمانها من مصدر مالي كبير وفَّره الدخل الضريبي للبضائع التي تدفقت على القطاع في السابق. كل هذه العوامل، وغيرها، ساهمت في زيادة الضغط المالي على الحركة، وجعلتها تلجأ إلى عالم العملات المشفرة.
طلبت حماس من المتبرعين في البداية إرسال البيتكوين إلى عنوان رقمي واحد (محفظة واحدة)، لكن سرعان ما غيرت الحركة آليتها لتجنب مراقبة تمويلها.
ولجعل تتبُّع الأموال أمرا صعبا طوَّرت الحركة برنامجا يُنشئ عنوانا جديدا للمحفظة الرقمية في كل مرة يقوم فيها المتبرع بمسح رمز الاستجابة السريعة، وقدمت الكتائب عبر موقعها الإلكتروني حينها إرشادات خطوة بخطوة لكيفية إرسال الأموال عبر فيديو مدته دقيقتان مترجم إلى الإنجليزية، وجَّهت فيه المتبرعين نحو إخفاء مواقعهم ونقل الأموال بأمان دون الوقوع في فخ التتبع.
وبحلول يونيو/حزيران 2021، وفي الوقت الذي كانت أنظار العالم تتجه فيه نحو قطاع غزة الذي خرج لتوه من قتال استمر لمدة 11 يوما مع دولة الاحتلال، جدَّدت كتائب القسام إعلانها استقبال التبرعات عبر البيتكوين. وقد عبَّر مسؤول كبير في الحركة في حوار له مع صحيفة "وول ستريت جورنال" عن فخره بزيادة التبرعات بالعملات المشفرة منذ بدء الصراع المسلح مع إسرائيل في مايو/أيار 2021، مؤكدا استعمال هذه التبرعات في العمل العسكري المقاوم للكتائب.
وقال المسؤول الذي لم يُكشف عن اسمه: "هناك بالتأكيد ارتفاع كبير في تبرعات البيتكوين، واستُخدِمَت بعض الأموال لأغراض عسكرية للدفاع عن الحقوق الأساسية للفلسطينيين".
وبعد مُضي أقل من شهر على حديث مسؤول حماس، أعلن "المقر الوطني لمكافحة الإرهاب الاقتصادي" (NBCTF) عن أول عملية مصادرة للعملات المشفرة متعلقة بـ "تمويل الإرهاب" المزعوم من المحافظ المرتبطة بحملات التبرعات التي تقوم بها حماس لعملات البيتكوين والإيثريوم وغيرهما.
وعلى إثر ذلك، فقد عمدت المقاومة لتقييد استلام التبرعات والتمويل عن طريق العملات المشفرة، لكنها ظلت تجربة ثمينة ووسيلة يمكن تطويرها للتخلص من قيود النظام المالي العالمي الذي تطبق إسرائيل براثنها عليه.