براءة المصدرين والتجار من تهمة غلاء المنتجات المحلية... ما القصة إذن؟
لطالما كان التصدير والمصدرون من أبرز المتهمين عند الحديث عن غلاء أسعار المنتجات المحلية، وهو أول سبب يصل إليه البعض عند التفكير في أنها غير مستوردة من الخارج ولا يتم دفع ثمنها بالدولار.
لكن الواقع أثبت براءة التصدير من هذه التهمة، فحى المنتجات التي تم إيقاف تصديرها لم تشهد هبوطًا لافتًا بالأسعار، بل على العكس زادت أسعارها في الغالب.
سلع استمرت أسعارها بالارتفاع رغم إيقاف تصديرها:
لعل أول مثال يخطر على البال هنا هو الزيتون وزيت الزيتون، إذ وصل سعر صفيحة الزيت إلى المليون ليرة رغم إيقاف التصدير.
وهنا يقول الخبراء في هذا المجال إن ارتفاع التكاليف وأجور الأيدي العاملة بقطف الثمار وأجور المحروقات في النقل والشحن وعصر الزيتون، قد أدى إلى غلاء الزيتون وزيته.
ويؤكدون أن التصدير لا يعتبر سبباً رئيسياً في ارتفاع مادة زيت الزيتون، بدليل أن قرار وقف التصدير منذ شهر ونصف تقريباً، والذي سيبقى ساريًا، لم يخفض من سعر المادة بالأسواق.
أما وقد اعتبرت الحكومة التصدير عائقًا وقررت إيقافه بالفعل، فيؤكد البعض أن تدني القوة الشرائية للمواطن لا تتناسب مع شراء صفيحة تصل إلى المليون ليرة للنوع الممتاز، مما يشكل عبئاً في بيع الإنتاج المقدّر بنحو 50 ألف طن تقريباً هذا الموسم، والذي يكفي لحاجة السوق المحلية فقط.
مما يعني أن البضاعة التي لا تصدر، سيرفض الفلاح أو التاجر بيعها بثمن بخس على أي حال، ثم سيحجم المواطن عن شرائها بالسعر العادل لأن قدرتها الشرائية لا تكفي، وهكذا تدور الدائرة في حلقة مفرغة.
بعيدًا عن زيت الزيتون، وبالاقتراب من أسواق الخضار والفواكه - وهي من أكثر المنتجات المحلية التي يُتهم التصدير بالتسبب في غلائها -، نرى أن الأسعار "تحلق" في هذه الأسواق رغم تراجع التصدير وتوقفه بالنسبة لبعض السلع.
وقد كشف رئيس لجنة سوق الهال بدمشق "محمد العقاد"، عن تراجع الصادرات مع نهاية مواسم إنتاج الخضار والفواكه الصيفية، منوهاً إلى إيقاف تصدير مادة البطاطا بدءاً من الخامس من الشهر الجاري وحتى بداية شهر تشرين الثاني القادم.
وهنا يؤكد البعض أنه سواءً تم إيقاف التصدير أم لا، فإن الكميات المصدّرة لم تكن تؤثر في الأسعار وتوفر المادة في السوق المحلية، ذلك أن ما تمّ تصديره يُشحن مباشرة من الفلاحين بحيث لا يدخل إلى السوق، وبذلك يصبح الفلاح طرفاً في عملية التصدير.
أما عن المنتجات المخصّصة للتصدير فهي مختلفة عن المنتجات المستهدف طرحها في السوق المحلية، وتخضع لمعيار الجودة وتوفر المادة في السوق، بسبب شروط الدول المستوردة الصعبة.
وحين يدعو البعض إلى إيقاف تصدير الخضار والفواكه نهائيًا وبشكل كامل، ينسون أن الفلاح مستفيد من عملية التصدير التي تساعد في دعمه وتشجيعه على الاستمرار في العمل مع ارتفاع تكاليف الإنتاج من أسمدة ومحروقات وأجور نقل وعمال وغيرها من مستلزمات العملية الزراعية، وعدم قدرة الحكومة على إيفائها.
وبالمحصلة، فإن الواقع قد أثبت أن مشكلة السوريين ليست مع التصدير، ولا المصدرين أو التجار أو الفلاحين، بل مع الأنظمة الاقتصادية المتردية التي تتسبب بانخفاض القوة الشرائية الشديد، وتخلي الحكومة عن دعم الإنتاج المحلي كما يجب، وترك المنتجين من فلاحين وغيرهم تحت رحمة السوق السوداء ليشتروا منها محروقاتهم وأسمدتهم.