فشل ذريع للحكومات السورية بإغراء المستثمرين وأصحاب الأموال رغم انتهاء الحرب 

تتفق الجهات المتحكمة بالسلطة في سوريا، أن مسؤولية غياب الاستثمار في البلد تقع على عاتق ما يسمى بـ "صورة الحرب"، وتعتبرها "العقبة الأكبر" في وجه تحسن الوضع الاقتصادي، وبسببها فقد فشلت الحكومات السورية المتعاقبة بإغراء المستثمرين وأصحاب الأموال للاستثمار بالبلد. 

لكن المحاضر في العلوم المالية والمصرفية "منهل العثمان" له رأي آخر، إذ عرّف الاستثمار على أنه توظيف مجموعة مادية، سواء كانت أموال أو أشخاص أو معدات، وقد يكون الاستثمار داخليًا، أي من مستثمرين مواطنين، أو خارجيًا، وهو الأفضل دائمًا، وفق رأيه، ويجري عبر مستثمرين أجانب. 

وأضاف "العثمان"، في حديث إلى "عنب بلدي"، أن أي استثمار يحتاج إلى استقرار أمني، وسياسي، واقتصادي، وإلى بنية تشريعية من قوانين وأنظمة ولوائح تسهل وتساعد في تنظيم عملية الاستثمار، وقبل كل شيء إلى "قيادة سياسية واعية" تدرك مدى أهمية الاستثمار. 

ونظرًا إلى ما سبق، تعد جميع العوامل المحفزة على الاستثمار الداخلي والخارجي غير موجودة في سوريا، "ولا بنسبة 1% حتى قبل عام 2011"، بحسب ما يرى "العثمان"، مرجعًا أسباب ذلك إلى "مافيات الاقتصاد" التي تسيطر على الاستثمار، والتي تتبع مباشرة إلى جهات حكومية وأجهزة أمنية. 

أما رجل الأعمال السوري المقيم في الإمارات "مروان الأطرش"، فقد اعتبر أن الاستثمار في ظل المعطيات الحالية في سوريا "مراهنة" للمستثمرين. 

وقال "الأطرش"، الذي يملك استثمارات في عدد من دول الخليج كالإمارات والسعودية، "كيف يمكن لمستثمر محلي أو أجنبي المراهنة على ثروته في مناطق لا يحكمها سوى قانون القوي، فكيف إذا كانت أرضية الاستثمار هذه ساحات معارك ودماء وعصابات"، وفق تعبيره. 

هل يوجد في سوريا استثمار حقيقي؟ 

في 27 من تموز الماضي، قال "مدين دياب"، مدير "هيئة الاستثمار السورية"، إن الهيئة منحت 12 مشروعًا إجازة استثمار منذ مطلع العام الحالي. 

وتختص هذه المشاريع بعدة قطاعات، تتوزع على صناعة البطاريات الجافة والمعكرونة والشعيرية والزيوت والسمون النباتية واستخراج الكحول الغذائي والصناعي وإنتاج الأسمدة الزراعية والأدوية البيطرية وصباغة وتحضير خيوط الأكريليك، إضافة إلى إنتاج الأدوية البشرية ومشروع محطة شمسية كهروضوئية وصناعة ألواح الطاقة الشمسية. 

لكن الخبير "منهل العثمان"، قال لـ "عنب بلدي"، إن رأس المال جبان، ولا يمكن لأي مستثمر "عاقل" أيًا كانت جنسيته أو طبيعة عمله الاستثمار حاليًا في سوريا إلا لسببين، أحدهما استخدام الاستثمار كواجهة فقط للقيام بعمليات "غسل أموال" لصالح دول معينة. 

بينما يرى رجل الأعمال "مروان الأطرش"، أن لبعض الدول مصلحة بدعم وتمويل دول أخرى، بدوافع إنسانية، أو رغبة في استقرار ما فيها، منعًا لاهتزازات سياسية تؤثر على الدول المانحة ذاتها، ما يفسر أعداد الاستثمارات الجديدة في سوريا، وفق رأيه. 

حبر على ورق: 

في 22 من آذار الماضي، تم إقرار القانون رقم "2" الذي عدلت بموجبه بعض أحكام قانون الاستثمار رقم "18"، بهدف "إيجاد آلية مناسبة لتجنب القيود المؤسساتية، وتبسيط إجراءات الاستثمار في مجال التطوير العقاري، والتركيز على تحديد المسؤوليات والأدوات بين الهياكل التنظيمية المختلفة المعنية بالاستثمار، وتعزيز البيئة الاستثمارية التنافسية لجذب رؤوس الأموال. 

لكن "منهل العثمان" يرى من جهته، أن هذه القوانين تبقى "حبرًا على ورق"، إذ تكون بشكلها الخارجي "ممتازة جدًا"، لكن عند التطبيق تكون هناك معوقات كثيرة تحد من الاستثمار، وهي معوقات "أمنية"، مستندًا على نتائج قانون الاستثمار رقم "10"، الذي صدر في 31 من نيسان 1990، وتعديلاته، الذي ظهر في مرحلة الانفتاح من الاشتراكية إلى اقتصاد السوق الاجتماعي. 

ويرى "العثمان"، أن الحكومة لا تملك ما تقدمه للمستثمرين، لاعتقاده أنها لا تملك قرارًا سياسيًا ليقدم قرارًا اقتصاديًا، بالإضافة لعدم امتلاك بنى تحتية لكونها "مدمرة أو شبه مدمرة"، وسط غياب الشفافية في المسألة والمحاسبة على الأموال. 

أما رجل الأعمال "مروان الأطرش"، فعلق بقوله، إن الاستثمار يرتكز دائمًا على القوانين الضامنة للحقوق الحالية والمستقبلية للمستثمر، وهي حقوق مبنية على ثقة أثبتها الزمن، وحفظتها القوانين، والتعامل الشفاف المجرب، وكل هذا لا وجود له في سوريا منذ عقود. 

ثم فإن الخبير الاقتصادي "عمار يوسف"، قال بدوره في لقاء مع إذاعة "نينار إف إم" المحلية، في 4 من آب الحالي، إن جميع القرارات التي تصدر لا تصب في مصلحة الشعب، وأن الثقة في الدولة لم تعد موجودة. 

وحول الحوافز الاستثمارية التي تقدمها الحكومة للمستثمرين، أكد "يوسف"، أن المستثمر الذي يأتي من الخارج يجد أمامه "ألف عقبة"، وإن لم يتحسن دخل المواطن والاقتصاد السوري من الداخل، فلن يتواجد عامل جذب للاستثمار الخارجي برأيه.