هل يمكن أن يعود العالم إلى الذهب مجددًا كغطاء للنقود بدل الدولار؟ 

تخلى العالم عن الذهب باعتباره غطاء كاملا للنقود بعد أن أقلعت عنه الولايات المتحدة الأميركية في العام 1971، ومنذ ذلك التاريخ أصبح غطاء العملات يجمع مكونات عدة، من بينها الذهب وما تمتلكه الدولة من عملات أجنبية رئيسية (الدولار، اليورو، الجنيه الإسترليني... الخ). 

عاش العالم بتلك الطريقة لسنوات حتى حدوث الأزمة المالية العالمية في عام 2008، حين ظهرت الدعوة إلى ضرورة أن تكون هناك عملات بديلة للدولار -الذي يستحوذ على قرابة 60% من التسويات المالية والتجارية على مستوى العالم- بعد أن كبد الاقتصاد العالمي كثيرا من المخاطر بسبب حالة عدم الاستقرار التي مر بها. 

ومع كل تذبذب في السياستين المالية والنقدية في أميركا تتعرض عملات الدول الصاعدة والنامية لصعود وهبوط لا يعبران عن أدائها الاقتصادي، مما جعل قضية عدم استقرار عملات هذه الدول مصدر خطر اقتصادي. 

لذا فإن الدعوة للعودة المتجددة إلى الذهب باعتباره غطاء نقديا للعملات المحلية أتت جراء الأضرار التي عاشها الاقتصاد العالمي على مدار الأعوام الثلاثة الماضية نتيجة موجة التضخم العالية. 

إضافةً إلى ذلك، ومنذ سنوات عدة ينادي كثير من المعنيين بالاقتصاد الإسلامي بالعودة إلى اعتماد الذهب غطاء للعملات. 

وفي تقريرٍ حديث، سلطت وكالة "الجزيرة" الضوء على هذه القضية بالتفصيل، ونسرد عليكم فيما يلي أهم ما تناوله التقرير بهذا الخصوص... 

ما هي وجهة نظر أنصار العودة إلى الذهب؟ 

هناك أسباب كثيرة يسوقها أنصار العودة إلى الذهب، وعلى رأسها أن الدولار أكسب أميركا قوة وسيطرة غير مبررة على مقدرات الاقتصاد العالمي، في ظل تراجع قدرات الاقتصاد الأميركي حاليا، مقارنة بما كان عليه في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى بداية الألفية الثالثة. 

فقد أصبحت لدينا الآن مشاركات قوية لدول أخرى في الاقتصاد العالمي -وعلى رأسها الصين- وباقي الدول الصاعدة، ومن حقها البحث عن الاستقرار النقدي لعملاتها، ولا مبرر لأن يظل العالم يتحمل مخاطر الاعتماد على عملة واحدة للتسويات المالية والتجارية على مستوى العالم. 

كذلك فإن الارتباط بالذهب باعتباره غطاء للعملات المحلية سوف يقيد عمليات إصدار النقود أو خلق الائتمان لاعتبارات تؤدي إلى تضخم يفسد النشاط الاقتصادي ويذهب بثروات الدول والأفراد، كما أن الارتباط بالغطاء الذهبي سيوجد حالة من التوازن بين الاقتصاد الحقيقي والاقتصاد المالي والنقدي. 

ومما يزيد من اعتبارات الدعوة إلى الغطاء الذهبي أن بعض العملات المشفرة تعتمد الغطاء الذهبي النسبي لها لكي يكسبها المزيد من الثقة لدى حائزيها. 

إعادة تطبيق الغطاء الذهبي للعملات... أصعب مما يبدو: 

يتطلب الأمر مرحلة انتقالية إذا ما كانت هناك رغبة للعودة إلى الغطاء الذهبي، لمراعاة حالة التوازن بين الكميات المنتجة من الذهب سنويا وبين قيمة الناتج المحلي العالمي، فالإنتاج العالمي من الذهب في عام 2022 -حسب بيانات هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية- يصل إلى 3100 طن، فيما الناتج المحلي العالمي قدر بما يزيد قليلا على 100 تريليون دولار، وهو رقم يفوق بكثير قيمة الذهب المنتج في العام نفسه. 

والإشكالية هنا هي كيف سيتم التوازن بين كميات الذهب المنتجة وحجم النشاط الاقتصادي المتطور دائما، والذي يفوق بآلاف المرات الكميات المنتجة من الذهب؟ 

كما يتطلب الأمر اعتمادا دوليا لمعيار الذهب الذي يستخدم في الغطاء النقدي عيار 24 أم عيار 22 أم عيار 21 حتى يكون هناك تقييم حقيقي للعملات المختلفة، وعدم وجود اعتماد عالمي سوف ينتج عنه أمران، الأول حالة من الفوضى في تقويم النقود بين مختلف الدول، والآخر أن عدم الاعتماد سيفقد النظام النقدي العالمي ميزة المعيار الواحد. 

وثمة أمر مهم يلاحظ على مر السنين وهو وجود مضاربات كبيرة على الذهب، مما يفقده ميزة الاستقرار أو حتى كونه ملاذا آمنا، ففي العصر الحديث تظهر عمليات المضاربة على الذهب بقوة في حالات انخفاض قيمة النفط أو في حالة ارتفاع أسعار الفائدة في السوق الأميركية مثلا، وهو الأمر الذي يجعل سعر الذهب في هذه الحالة متغيرا تابعا وليس متغيرا مستقلا. 

ففي حالة ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية يتجه المضاربون إلى بيع الذهب، مما يؤدي إلى زيادة المعروض وانخفاض سعره، ويتجهون للمضاربة على النفط، وفي حالة انخفاض أسعار النفط يتجهون إلى شراء الذهب، مما يؤدي لارتفاع أسعاره. 

والأمر نفسه يتكرر في أسعار الفائدة بالسوق الأميركية، فكلما ارتفعت تلك الأسعار يتم التخلي عن الذهب بحثا عن الربح السريع من المصارف فينخفض سعره، وإذا انخفضت أسعار الفائدة يتم التوجه إلى الذهب فيرتفع سعره. 

والإشكالية التي فرضتها ممارسات التجارة الدولية في العصر الحديث هي حرص الدول المصدرة على تخفيض قيمة عملتها من أجل الحفاظ على حصتها من الصادرات أو زيادتها، ففي هذه الحالة وبلا شك فإن هذا المبدأ سوف يتعارض مع قيمة الغطاء الذهبي لعملة هذه الدول. 

الذهب هو الآخر ليس معيارًا مطلقًا للقدرة الشرائية: 

قد يظن البعض أن الذهب يعيش حالة من الاستقرار دائما، وأنه يكسب النقود قوة شرائية مستدامة، والحقيقة أن الشواهد التاريخية تعطينا غير ذلك، فقد ذكر الدكتور "يوسف القرضاوي" -رحمه الله- في كتابه فقه الزكاة أن القيمة الحقيقية للنقود تتمثل في قدرتها الشرائية. 

واستشهد "القرضاوي" في الهامش على صحة ما ذهب إليه بالنص الآتي "قد يشهد لهذا ما رواه أبو داود: أن الدية كانت في العهد النبوي 900 دينار أو 9 آلاف درهم، فلما كان عهد عمر بن الخطاب خطب فقال: إن الإبل قد غلت، فقوّمها على أهل الذهب 7 آلاف دينار وعلى أهل الورق 74 ألف درهم".