حالة هروب واستقالات متزايدة من القطاع العام والوظائف الحكومية في سوريا
حصل خلال الشهور القليلة الماضية تزايد متسارع وكبير في أعداد الموظفين الراغبين في الاستقالة، تزامناً مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي أثرت في الجميع، نتيجة ارتفاع الأسعار والتضخم غير المسبوق.
أعداد المستقيلين من الوظائف الحكومة في سوريا خلال الأشهر الماضية:
حسب التقرير الصادر عن اتحاد العمال ارتفعت أعداد المستقيلين ومقدمي طلبات الاستقالة من القطاع العام خلال النصف الأول من العام الجاري، مسجلةً استقالة 400 موظف في محافظة السويداء، و300 آخرين في محافظة القنيطرة أغلبهم من قطاع التربية.
في حين تم تقديم 516 طلب استقالة في محافظة اللاذقية، بينها 230 طلباً من عمال في شركات الغزل، و149 من عمال في مؤسسة التبغ، و58 من عمال في قطاع الزراعة، و31 من عاملين في مديرية الصحة، و48 طلباً من موظفين في مختلف القطاعات الأخرى، بحسب صحيفة "تشرين" الحكومية.
القطاع العام في سوريا يعاني من "إفلاس إداري":
أما الخبير بالإدارة العامة "عبد الرحمن تيشوري"، فيؤكد أن القطاع العام وصل للإفلاس الإداري نتيجة ضعف الأجور والفساد، فخلال الأزمة بدا هناك عجز كبير بالأداء المؤسسي وظهرت مشكلات الفساد المالي والإداري والتسيب وعدم حماية وحراسة المؤسسات وتكشف الرقابة عن اختلاس 10 ملايين يومياً.
ويلفت إلى أن 50% من الشباب الذين لديهم خبرة واسعة هاجروا، مضيفًا: "من المتوقع أن تزيد هذه النسبة في حال بقينا على حالنا وعدم وجود أي ردة فعل لإنقاذ من تبقى من شباب، فاليوم نلاحظ تزايد طلبات الاستقالة نتيجة عدم تناسب كتلة الرواتب مع التضخم الاقتصادي، بحيث لا تغطي حتى تكلفة النقل، ما يجعل الموظف يعمل بشكل شبه مجاني".
ومن جانب آخر - يستطرد الخبير -، يسهم تهالك القطاع العام فيما يخص عمليات الترقية الوظيفية والتطوير في تحفيز قسم كبير من الموظفين على ترك العمل الحكومي، حيث تمنح الحوافز والترقيات لموظفين محددين.
ويبيّن أن الجزء الكبير من مشكلات القطاع العام السوري يعود الى المسألة الإدارية، فالأزمة الوظيفية في سورية هي أزمة إدارة وأخلاق.
ويتابع: "لذا نؤكد على معالجة كل ما هو مرتبط بذلك لإصلاح قطاعنا العام، ولاسيما ضمن استفحال البيروقراطية ودفع الإتاوات وبيع فرص العمل وبازارات المناصب وتضليل الإنجازات وتضخيم الوهمي".
وأكد أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة للحدّ من الاستقالات الجماعية تعكس الرغبة في المحافظة على المؤسسات الحكومية بالحد الأدنى، لذلك فهي غير كافية بالنسبة للموظفين الذين يمتلكون خبرات جيدة، ما يجعل توظيف موظفين غير كفوءين البديل المتاح بغضّ النظر عن جودة الخدمة، إضافة لمنح رواتب ومكافآت للإدارات العليا لحثها على تنظيم الفوضى التي يعانيها القطاع العام.
العمل الحكومي في سوريا... "شخصانية مملة ومقيتة":
يشير "تيشوري" إلى أن "الشخصانية في العمل الحكومية أصبحت مملة وسقيمة وغير قابلة للتغيير، فهي ذاتها القوالب القديمة ولا يمكن اختراقها، فالكثير من المديرين يعلمون أن 50% من العاملين والمنتظمين بالدوام ليس همهم بالعمل الحقيقي، بل اختاروا وظيفة القطاع العام للتسلية، حيث تجد شخصاً واحداً يعمل في القسم من أصل 10 أشخاص ورغم أنه يعمل بإخلاص، ولكن الجميع يتنمر عليه ويسمعه كلمات تزعزع حبه للعمل".
ويختم حديثه بالقول: "بات العمل في القطاع العام كالعيش مع أعدائك، فالجميع يطمح ليكسب دخلاً إضافياً، ولا أحد يحاول أن يكون منطقياً للحظة، لا أحد يسعى إلى حلّ، لدينا الخبرات ولكن الشخصانية تبقى في المرتبة الأولى".