شح القطع الأجنبي الشديد في سوريا يدفع للتفكير بنظام المقايضة بدل الدفع للموردين بالدولار
تتردد فكرة "التجارة بالمقايضة" في سوريا، بأوساط المسؤولين وينقلها الإعلام الحكومي ويتحدث عنها الاقتصاديون، إذ تنطلق نواة هذه الأفكار من نقطة واحدة وهي شح القطع الأجنبي في سوريا.
وقد تم طرح الأمر مؤخراً في الاجتماعات الأخيرة التي عقدتها اللجنة السورية العراقية المشتركة، حيث أشار حينها نائب رئيس اتحاد الصناعات العراقية "علي الدخيلي" إلى أن البلدين سيحاولان إيجاد حل للعقوبات الغربية المفروضة على سورية وسترسل العراق نفطها مقابل مواد مصنعة يتم رفد السوق العراقية بها.
تطبيق نظام المقايضة في سوريا... فكرة يشجعها البعض:
يرى عضو مجلس إدارة غرفة صناعة حلب "مجد ششمان"، في تصريحه لصحيفة "الوطن" المحلية، أن مبدأ المقايضة يفيد الاقتصاد السوري بكل تأكيد، وينشّط المصانع ليزيد إنتاجها، وسيزيد الدخل القومي، وبالتالي يتم تصريف البضائع مقابل الحصول على مواد أخرى تنقص سورية كالنفط مثلاً.
واعتبر أن ذلك سيشكّل نهضة صناعية وتجارية في سورية، وسيتحسن مستوى معيشة المواطن لأن تفعيل هذه الاتفاقية سيشغّل المزيد من الأيدي العاملة وسيحسن أجور القطاع الخاص، متمنياً أن يتم تفعيل هذه الاتفاقية في أقرب وقت ممكن.
وأشار "ششمان" إلى أن سورية تستطيع المقايضة بالصناعات النسيجية من مفروشات وسجاد وستائر وألبسة قطنية، إذ يوجد سلاسل صناعية متكاملة في ذلك، ما سيحقق قيمة مضافة كبيرة جداً إضافة إلى الصناعات الهندسية كالمعدنية مثلاً، والصناعات الغذائية والكيميائية كالمنظفات على سبيل المثال.
ولفت إلى أنه يمكن تفعيل هذه الاتفاقية مع دول أخرى إلى جانب العراق كروسيا وإيران.
تجارب سوريا مع نظام المقايضة:
يرى الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب الدكتور "حسن حزوري"، أن هذه المنظومة تستخدمها بعض الدول لتجنب العقوبات الدولية المفروضة عليها، أو التحايل عليها بمعنى آخر.
ورغم العقبات قد تكون كبيرة، وعلى رأسها العقبات الفنية والمالية وبشكل خاص تغير سعر الصرف، إلا أن هذه الحيلة تكاد تكون الخيار الأمثل، لكونها تحقق نجاحاً نسبياً أكبر مع الدول التي تربطها حدود جغرافية مباشرة، كحالة سورية والعراق على سبيل المثال، وفقًا للدكتور.
وبيّن "حزوري" أن الحكومة السورية اتجهت بسبب الأوضاع الاقتصادية القاسية نحو توفير بدائل للسلع الضرورية والأساسية للسوق المحلية، وذلك عبر نظام المقايضة، لاسيما في ظل صعوبات تأمين القطع الأجنبي، وأيضاً في ظل الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار، وازدياد معدلات التضخم بشكل كبير.
وعلى سبيل المثال، أعلنت المؤسسة السورية للتجارة في شهر تشرين الثاني من عام 2020 عن نيّتها تصدير ألفي طن من زيت الزيتون وألف طن من العدس إلى إيران مقابل استيراد كميات من زيت عباد الشمس تعادل ثمن الكميات المصدرة.
وتابع: "لذلك، فإن ما طرح خلال أعمال اللجنة العراقية السورية المشتركة، عن مقترح اعتماد نظام المقايضة، لتبادل السلع والمنتجات السورية، المقبولة بشكل كبير في السوق العراقية، بمنتجات عراقية ولاسيما النفط، ليس بجديد على نظام المقايضة، وهو مقترح جدير بالاهتمام والمتابعة من حكومتي البلدين".
ثم أضاف: "وأيضاً تواجه سورية صعوبات كبيرة في تأمين القطع الأجنبي اللازم لتمويل عمليات الاستيراد، ولاسيما لحوامل الطاقة وعلى رأسها النفط، حيث تشهد سورية باستمرار عدم انتظام في تأمين المشتقات النفطية، بعد أن أدت الحرب إلى فقدان حقول النفط، ولذلك فإن تطبيق نظام المقايضة فيه فائدة مشتركة للبلدين".
دول أخرى تفكر بنفس الطريقة:
أشار "حزوري" إلى أن الفترة الماضية شهدت صعوداً في نمط المقايضة السلعية باعتباره أحد الأنماط الرئيسية في التجارة الدولية، في ظل الأزمات التي باتت تواجهها الدول؛ وبالتالي تزايد اللجوء إلى المقايضة التي تعبر عن تداول السلع أو الخدمات دون استخدام الأموال أو أي وسيلة نقدية.
وقد تلجأ بعض الدول أيضاً إلى هذا النظام عندما تكون غارقة في الديون وغير قادرة على الحصول على تمويل أو تسديد أقساط الديون، إضافة إلى عدم قدرتها على الحصول على النقد الأجنبي، ولاسيما في وقت الأزمات الاقتصادية.
وأشار إلى أن من خلال هذا النظام يجري تصدير بضائع مقابل استيراد أخرى تحتاجها الدولة، وبهذه الطريقة، تدير الدول العجز التجاري وتعمل على تقليل حجم الديون التي تتحملها.