الدولار يصبح عملة اللبنانيين الجديدة والليرة مجرد حمل إضافي من الورق
مع الانهيار الهائل والسريع الذي تشهده الليرة اللبنانية (وصل سعر صرف الدولار في لبنان حتى الآن إلى 140 ألف)، فقدت العملة وظيفتها الشرائية وفقدت قيمتها في جيوب الناس، فبات البعض يعتبرها حملًا ورقيًا زائدًا لا فائدة منه.
ولعل أكثر ما يخبرنا باستفحال ظاهرة الدولرة في لبنان، هو بهوت مهنة الصيرفة بالتدريج بعدما كان الصراف هو نجم الساحة مؤخرًا، فقد وُجّهت أولى الضربات إلى الصرافين، ثمّ إلى مصرف لبنان لأنّه الجهة التي تشتري منهم الدولارات بشكل مستمرّ، يوم بدأت شركات المحروقات تستوفي بدل المازوت لزوم المولّدات الكهربائية بالدولار، وشرع أصحاب المولّدات بدورهم يقبضون فواتيرهم من المواطنين بالعملة الصعبة أيضاً. ويُقدّر مجموع هذه الفواتير اليوم بحسب الخبراء بنحو 1.5 مليار دولار.
ثم سدّد وزير السياحة الضربة الثانية يوم سمح للفنادق والمطاعم بالتسعير بالدولار، فتحولت أغلب المرافق السياحية التي نلاحظها تعجّ بالروّاد إلى الدولار.
وجاءت الضربة الثالثة في مرمى الصرّافين ومصرف لبنان بطبيعة الحال، من وزير الاقتصاد "أمين سلام" يوم أعلن بدء التسعير في السوبرماركت بالدولار الأميركي، وبدأ تطبيق ذلك خلال شهر شباط الفائت.
وقد استطلعت منصة "أساس ميديا" اللبنانية إقبال الناس على دفع فواتيرهم بالدولار الأميركي في أكثر من سوبرماركت. في البداية أغلب الصناديق كانت تشير إلى أنّ بين كلّ 10 زبائن نحو 3 يدفعون فواتيرهم بالدولار (30%)، ثمّ تضخّم هذا الرقم اليوم إلى ما بين 5 و6 من أصل 10 زبائن، أي بين 50% و60% من مجموع الزبائن، وهو ما يعني أنّ نصف الفواتير في السوبرماركت (حجمها غير معروف) تذهب بالدولار الأميركي إلى جيوب مالكيها من دون الحاجة إلى تبديل الليرات باعتبار أنّ أغلب فواتير الاستيراد هي بالدولار أيضاً.
وتتوالى الضربات على ما يبدو، فعلى غرار السوبرماركت، بدأت نقابة الصيادلة تطالب بدولرة أسعار الأدوية، وهذا يعني أنّ سوق الصرّافين سيفقد حصة وازنة أيضاً من نحو 500 مليون دولار هي فاتورة الأدوية اليوم، بعدما تراجع إلى ما يزيد على النصف (كانت 1.2 مليار دولار سنوياً).
المطلب نفسه، تحوم حوله محطات الوقود، التي تطالب وزارة الطاقة بالدولرة تماماً (الوزير ما زال يرفض هذا المطلب بحسب المعلومات)، وإعفائها من "بدعة" التسعير بمعدّل مرّتين في اليوم الواحد. وهذا يعني الالتزام بسعر السوق السوداء مباشرة، وبذلك يشتري المواطنون البنزين من المحطات بالدولار، من دون معرفة النسبة التي ستصل إليها، لكنّها ستتقدّم أيضاً على حساب الليرة (فاتورة البنزين اليومية بحدود 6 ملايين دولار).
أمّا الضربة الأخيرة، وربّما القاضية، فستكون على يد موظفي وعمال القطاع الخاص. هؤلاء بدورهم (أو ما بقي منهم) سيطالبون مستقبلاً بدفع رواتبهم بالدولار الأميركي، على قاعدة “من سوّاك بنفسه ما ظلمك”، لأنّ أرباب أعمالهم يقبضون من الزبائن بالدولار. وقد فتح اتحاد نقابات موظفي المطاعم والفنادق هذا الباب أمس، بتحديد الحدّ الأدنى لأجور موظفي المطاعم، بحسب الرتبة، وكلّها مجدولة بالدولار أيضاً.