الديون الأمريكية الهائلة... مسألة غاية في الخطورة يتعامى عنها العالم

يبدو أن الأسواق والمستثمرين يسلمون فعلًا بحتمية أن الولايات المتحدة ستتفادى السقوط في جحيم التخلف عن سداد مستحقات ديونها الاتحادية هذا العام. إلا أن مسلّمات مثل تلك كانت موجودة أيضًا قبل أشهر فقط من وقوع صدمات قلبت العالم رأساً على عقب في السنوات الماضية. كان منها انهيار مصرف "ليمان براذرز" ونتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2016 وتفشي كورونا حول العالم.

يحدث ذلك مع تصاعد مشاحنات الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فقد بلغ الدين الاتحادي سقفه القانوني الذي حدده الكونغرس فيما يطالب جمهوريو مجلس النواب بتنازلات من الديمقراطيين والبيت الأبيض قبل أن يقرّوا رفعه.

هذه المواجهات ليست جديدة، إلا أن المشرّعين لم يسبق أن أخفقوا بالتوصل إلى رفع لسقف الدين أو تعليق العمل بالسقف المحدد قبل نفاد السيولة لدى وزارة الخزانة، التي تمكّنها من الإيفاء بالتزامات الولايات المتحدة المالية.

ماذا يعني أن يتخلف أكبر اقتصاد بالعالم عن سداد ديونه؟

وفقًا لـ "بلومبيرغ" فمن شأن تخلف الولايات المتحدة عن سداد الدين الاتحادي أن يعرّض النظام المالي الأميركي لأكبر صدمة منذ إفلاس مصرف "ليمان براذرز"، الذي جلب أسوأ ركود منذ الكساد الكبير.

وتشكل سندات الخزانة ضمانات لقروض أسواق المال قصيرة الأجل المقدرة بتريليونات الدولارات، فهي جزءٌ لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي لدرجة أنه يصعب التكهن بأضرار التخلف عن السداد.

يشرح "روبرت تومي"، المدير الإداري لرابطة قطاع الأوراق المالية والأسواق المالية، وهي أكبر تجمع للبنوك الاستثمارية في الولايات المتحدة: "لدينا كثير من التدريب النظري، لكن الأمر لم يُختبر قط على أرض الواقع... تأثير ذلك على السوق سؤال لا إجابة واضحة له. فيما يخص أجواء التداول، السؤال هو كيف ستُتداول هذه الأوراق المالية وما أثر ذلك على التسعير وما سواه. أمّا التعبات فهي مجهولة".

أردف "تومي" أن الرابطة لا ترغب بأن ترى وقوع مثل هذا الأمر على أرض الواقع، وقال: "نحن ننطلق من إيماننا بعدم جواز الإضرار قط بالثقة بحكومة الولايات المتحدة وتصنيفها الائتماني". تابع جازماً: "يجب أن نرفع سقف الدين، نقطة على السطر".

تحذير من الركود وردة فعل "مدمرة" قد تصيب الأسواق:

على أي حال، فإن انتظار اللحظة الأخيرة من أجل التوصل إلى حل سياسي قد ينطوي على مشكلات عديدة. إذ يقول "جاك مالفي"، الذي يراقب سوق السندات منذ السبعينيات، إنه في السيناريو الأسوأ المتمثل بالتخلف عن سداد سندات الخزانة "فإن العبء الذي سيرزح تحته الاقتصاد الأميركي سيستغرق سنوات حتى يزول... سيطلق ذلك سلسلة ردّات فعل، فلم يسبق أن دخلنا في تخلّف عن السداد".

بينما كتب "ديفيد ويلكوكس"، مدير البحوث الاقتصادية الأميركية لدى بلومبيرغ، محذراً من أن أي انقطاع قصير لوزارة الخزانة عن السداد، سواء كان ذلك في دفع الفائدة لأصحاب السندات أو رواتب الموظفين الاتحاديين أو إعانات المستفيدين من الضمان الاجتماعي، سيتسبب "بردّة فعل سريعة في السوق ربما تكون مدمرة".

وحتى إن حصلت سندات الخزانة على حماية كاملة، فإن التوقف عن الدفع لملايين الموظفين الحكوميين والمستفيدين من الإعانات، سيؤدي إلى ركود اقتصادي شبه فوري.

وحذّر الفريق المصرفي برئاسة "أجاي راجادهياكشا" في مذكرة للعملاء إنه في حال استغرقت الحكومة بضعة أسابيع لاستئناف الإنفاق والتعويض عن الدفعات المتأخرة "قد يحصل تراجع كبير" في الناتج الإجمالي المحلي قد يبلغ 15% على أساس سنوي.