3120 مليار ليرة هدر بقطاع الكهرباء في سوريا خلال عام واحد... هذه التفاصيل
تعتبر مسألة فاقد وخسائر الكهرباء في سوريا من الأمور المتشابكة والتي يصعب الحسم بخصوصها، فوفق بيانات ما قبل الحرب، فإن التقديرات المتعلقة بالفاقد الفني لشبكة الكهرباء كانت تتراوح ما بين 25-40%، وهذا كان تحدياً رئيسياً لقطاع الكهرباء.
أمام هذا التحدي فإن الحكومات المتعاقبة كانت دوماً تفشل في معالجة المشكلة لأسباب مختلفة متعلقة أحياناً بمستوى أداء وزارة الكهرباء وجديتها في تخفيض ذلك الفاقد عبر تحديث خطوطها وملاحقة ظاهرة الاستجرار غير المشروع، وأحياناً أخرى بتموضع ذلك الفاقد، وظاهرة الاستجرار غير المشروع.
ورغم كل المؤشرات التي تؤكد أن ظاهرة الفاقد زادت بشكل كبير خلال سنوات الحرب بسبب اتساع دائرة التعديات على الشبكة الكهربائية، وتضرر أجزاء المنظومة الكهربائية، إلا أن مسؤولي الوزارة يؤكدون أن نسبة الفاقد بحدود 26% وفقاً لتقديرات وزير الكهرباء الحالي في شهر أيار من العام الماضي، في حين أن بيانات المكتب المركزي للإحصاء تتحدث عن أن نسبة الفاقد واستهلاك الوزارة تصل إلى حوالي 29.5% في العام 2020.
فاقد وخسائر الكهرباء في 2022... رقم مخيف!
وفقاً للبيانات التي نقلها موقع "أثر برس" المحلي، فإن إنتاج الطاقة الكهربائية في 2022 بلغ أكثر من 16 مليار كيلو واط ساعي، وتالياً فإن نسبة الفاقد الفني منها تبعاً للتقديرات السابقة تقدر بحوالي 4.160 مليارات كيلو واط ساعي، أي أن هناك هدراً تصل قيمته إلى حوالي 3120 مليار ليرة حسب تقديرات الوزير الأخيرة المتعلقة بتكلفة الكيلو الواط الساعي الواحد، والبالغة حوالي 750 ليرة.
وإذا لم يتضح لكم ما يعنيه هذا الرقم الضخم بعد، فإليكم هذه الإحصائيات والمقارنات:
أولًا: يمثل هذا الفاقد أو الهدر ما نسبته 62.5% من إجمالي اعتمادات بند الرواتب والأجور في الموازنة العامة للدولة للعام الحالي، أي أنه يمكن في حال إيقاف هذا الهدر أو تخفيضه بنسبة 11% رفع رواتب العاملين في مؤسسات الدولة بنسبة 62%.
ثانيًا: يشكل ما نسبته حوالي 259.8% من قيمة المشروعات التي تتحجج بها وزارة الكهرباء لرفع قيمة تعرفة الاستهلاك. أي أن الوزارة بإمكانها تنفيذ تلك المشروعات وتوفير حوالي 812 مليار ليرة، ومن من دون زيادة ليرة واحدة على تعرفة الاستهلاك.
ثالثًا: يشكل ما نسبته 24% تقريباً من حوالي 5500 مليار ليرة يقال إنها الإيرادات المتحققة فعلياً للخزينة العامة في العام الماضي. أي أن وزارة المالية كان بإمكانها تخفيف تشددها بتنفيذ سياسة الجباية التي خنقت الاقتصاد الوطني خلال الفترة الماضية، وتركز جهودها على محاربة الهدر في الإنتاج واستثمار الثروات الوطنية.
رابعًا: يشكل ما نسبته 33% من قيمة الديون المترتبة لوزارة النفط على وزارة الكهرباء والبالغة أكثر من 4 آلاف مليار ليرة، أي الوزارة قادرة خلال ثلاث سنوات فقط تسديد جميع ديونها وحل مشكلة التشابكات المالية مع الجهات العامة وتحقق بذلك سبقاً على جميع وزارات ومؤسسات الدولة.
مسؤولية الوزارة:
الفاقد له وجهان: الأول فني مرتبط بخطوط النقل والتوزيع، وهو تالياً من مسؤولية جميع مؤسسات الوزارة وشركاتها. والوجه الثاني يتمثل في الاستجرار غير المشروع ومسؤولية معالجته تقع على عاتق مؤسسة التوزيع وشركاتها في المحافظات.
وأسباب الاستجرار غير المشروع ليست دوماً محصورة بالمستهلكين وإنما أيضاً بإجراءات الوزارة وتعقيدات نظام الاستثمار الموضوع وعدم تنسيقها مع الوزارات الأخرى.
في جميع الحالات، فإن تأخر وزارة الكهرباء في تنفيذ إجراءات عملية لمعالجة مشكلة الفاقد الفني يعني استمرار هدر آلاف المليارات من الليرات وإضعاف وثوقية الشبكة وعدم تحقيق عدالة التوزيع.
حلول الحكومة العقيمة:
بحسب التصريح الأخير لوزير الكهرباء "غسان الزامل"، فإن الوزارة تدرس زيادة تعرفة الاستهلاك بحجة تمويل مشروعات الوزارة، والتي تقدر قيمتها هذا العام بحوالي 508 مليار ليرة.
ويعلق الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي "زياد غضن" على ذلك قائلًا: "لم يكن متوقعاً أن تخرج وزارة الكهرباء في حلولها عن دائرة التفكير الحكومية القائمة على اللجوء إلى الحلول الأسهل في تأمين الإيرادات، وإن كانت مدمرة بالنسبة للوضع المعيشي للمواطنين، وللقطاعات الاقتصادية كافة من الصناعة إلى الزراعة فالخدمات، وربما هذا هو الشيء الوحيد الذي يجمع بين جميع الوزارات".