الحكومة السورية تخسر أثرياء البلد لصالح مصر التي ستمنحهم الجنسية بشروط أسهل
ذاع مؤخرًا وانتشر القرار الجديد الصادر عن الحكومة المصرية، قبل أيام، بتسهيل شروط ومتطلبات الحصول على الجنسية المصرية للمستثمرين، ولعل فئة الصناعيين وأصحاب رؤوس الأموال السوريين كانت الأكثر اهتمامًا بهذا القرار.
ورغم أن النسخة السابقة من القانون، الصادر منذ العام 2019، لم تتجاوز حصيلتها، تجنيس 50 رجل أعمال سوريّ، وفق تقديرات غير رسمية، إلا أن فشل الحكومة، على مدار السنوات الخمس الفائتة، في اجتذاب أية أسماء وازنة، للعودة بأموالها إلى سوريا، يدفع للرهان بأن أعداد المجنسين السوريين من الأثرياء في مصر، سترتفع بنسب كبيرة، في الفترة القادمة.
وقد تناولت جريدة "المدن" هذا الموضوع مؤكدةً أنه خلال صيف وخريف العام الفائت، استغل صناعيون مقربون من الحكومة، أزمة العملة الصعبة في مصر، لدعوة رجال الأعمال السوريين، للعودة إلى البلاد.
وتصدّر "فارس الشهابي"، رئيس غرفة صناعة حلب، تلك الدعوات، مؤكداً أن المستثمرين السوريين في مصر، يفكرون بالعودة فعلاً. لكن لم يتم تسجيل عودة أي اسم منهم، مطلقاً.
لاحقاً، انضم الصناعي "عاطف طيفور"، إلى جهود "الشهابي"، محذّراً المستثمرين السوريين في مصر من تعرضهم لسيناريو شبيه بذاك الذي حاق بأصحاب المدخرات السورية في البنوك اللبنانية، على خلفية تحرير سعر صرف الجنيه المصري.
وحسب تعبير صحفي نقلت "المدن" عنه، فقد كانت تلك الدعوات، نوعاً من العبث، و"المزاح السمج"، وحصيلتها "صفر مكعب".
فمنذ العام 2021، مع صدور قانون الاستثمار الجديد في سوريا، أخذت الحكومة والمحسوبون عليها، يرددون وعودًا وتصريحات مفادها، أن هناك موجة قادمة من المشاريع الاستثمارية المحلية والأجنبية، بفعل مزايا القانون وتسهيلاته. لكن الركود الاقتصادي تفاقم، وفرّت المزيد من رؤوس الأموال المحلية إلى الخارج. فباءت بالفشل، كل محاولات اتحاد غرف الصناعة في إقناع الصناعيين، الحلبيين تحديداً، بالعودة.
وانضمت إلى قائمة المجنسين السوريين في مصر، أسماء وازنة، بعضها كان يجاهر بحظوته عند الحكومة والسلطات السورية، من قبيل "باسل سماقية"، صاحب شركة "قطونيل" الشهيرة، وابنته، قبل أن ينضم شقيقه "أحمد سماقية"، صاحب شركة "الامبراطور" للملابس الجاهزة، إلى القائمة أيضاً.
فيما ذهب "ملك الجينز"، الصناعي الحلبي "محمد كامل صباغ شرباتي"، أبعد، في تعزيز وجوده في السوق المصرية، وفي خريطة الصناعيين هناك.
السيناريو نفسه في تركيا أيضًا:
تلك القصة نفسها تشابه نظيرتها في تركيا. فحتى مع أزمة العملة التركية وتصاعد مشاعر العداء في الشارع التركي، خلال العامين الأخيرين، لم تُسجّل أي مؤشرات عودة للمستثمرين السوريين في تركيا، والذين يُعتقد أن معظمهم حصل على الجنسية، بحجم استثمارات يتجاوز 10 مليارات دولار، وعدد شركات يتجاوز الـ 20 ألفاً، وحجم إسهام في الصادرات، يتجاوز الـ 3 مليارات دولار.
تركيا ومصر، لم تنفردا وحدهما بمساعي توطين البرجوزاية السورية. فقد اتجهت الإمارات في الاتجاه ذاته، وتم تسجيل حصول رجال أعمال سوريين كبار، على الجنسية الإماراتية في السنوات الأربع الأخيرة، أبرزهم، وليد الزعبي، وعبد القادر السنكري.
وفيما توفّر الجنسية الشعور بالأمان للمستثمر السوري، وتعزّز رغبته بضخ المزيد من الاستثمارات في البلد الذي يقيم فيه، مع عدم التفكير بتحويل أرباحه إلى الخارج، تأتي تكلفة نقل رأس المال والاستثمار، وخسارة شبكة العلاقات المُؤسَّسة في بلدان المهجر، لتجعل خيار العودة إلى سوريا، غير محبذ، حتى لو كانت هناك عوامل جذب في البلد الأم. فما بالك، لو كان البلد الأم طارداً للاستثمارات.
إذ، وبإقرار "الشهابي" نفسه، فإن مطالب المستثمرين المهاجرين، مقابل العودة، لم تلق التسهيلات المطلوبة من جانب الحكومة السورية، من قبيل تخفيف الإجراءات الجبائية لدوائر المالية والتموين والجمارك، والأهم، إلغاء الموافقات والقيود الأمنية.
وقياساً بالتجربة التاريخية لحركة رأس المال السوري، ورغم توفر الأمان والاستقرار السياسي، قبل العام 2011، وصدور محفزات تشريعية وضريبية كثيرة في تلك المرحلة، فإن جانباً محدوداً للغاية من رأس المال المهاجر عاد على سبيل التجربة فقط. تجربة أثبتت فشلها.
وهكذا فتبقى سوريا طاردةً لرأس المال الوطني، كما كانت على مدى العقود الماضية.
واليوم، يُضاف عنصر غير مسبوق يُعزز صورة سوريا كطارد لرأس المال الوطني، يتمثّل بأزمة حوامل الطاقة، الرافع الرئيس لأي استثمار صناعي أو حتى خدمي.
وبالمقارنة مع سوريا، تبدو مصر، رغم أزمة العملة الصعبة، والتضخم، وانخفاض القدرة الشرائية، أفضل بمرات، لمستثمر سوريّ مستوطن فيها، مقارنة ببلده الأم.