نفط المستقبل... كل ما سترغب بمعرفته عن الوقود الهيدروجيني وأنواعه
ظهرت فكرة الهيدروجين في الأساس للمساهمة في التوسع بقطاع الطاقة المتجددة؛ إذ تُعَد الطاقة النظيفة -سواء كانت طاقة شمسية أو طاقة رياح- ذات طبيعة متقطعة، ومن ثَم كانت هناك رغبة في إيجاد حل جذري لهذه المعضلة.
وبما أن الشبكات الأوروبية قد قطعت شوطًا كبيرًا في الطاقة المتجددة؛ فكانت أول من عانت مشكلة إنتاج الطاقة من مصادر نظيفة بوتيرة تفوق احتياجات الطلب المحلي، بالإضافة إلى مشكلة العجز حال انقطاعها؛ ما دفع المؤسسات البحثية الأوروبية للبحث عن كيفية استغلال هذا الفائض وتخزينه لحين الحاجة.
ورغم أن البطاريات هي الخيار الأول للتخزين؛ فإنها بطبيعة الحال مكلفة، كما أن قدرتها على التخزين محدودة، وهنا ظهر الهيدروجين خيارًا مناسبًا.
ومن ثم، بدأ استغلال فائض الطاقة المتجددة في عملية التحليل الكهربائي للماء المتوافر في محطات الطاقة المتجددة لإنتاج الهيدروجين وتخزينه، وحال انقطاع الطاقة المتجددة يمكن استخدام الهيدروجين في توليد الكهرباء، وهكذا.
وباختصار، فإن ظهور الهيدروجين كان هدفه مساعدة الشبكات الأوروبية، إلا أنه أعقب ذلك تنفيذ مشروعات عديدة للهيدروجين باعتبارها مشروعات استرشادية للتأكد من إمكانية استغلال الهيدروجين بصفته حاملًا للطاقة وحلًا لطبيعة الطاقة المتجددة المتقطعة، لكن الحديث فجأة تحوّل لأن يكون للهيدروجين نفسه دور كبير في منظومة الطاقة.
ما الهيدروجين؟ وما أنواعه؟
الهيدروجين هو غاز عديم اللون والرائحة وغير سام وكثافته تقل عن كثافة الهواء بنحو 14 مرة، كما أنه العنصر الكيميائي الأخف والأبسط والأكثر وفرة في الطبيعة؛ حيث تشير التقديرات إلى أنه يُشكل نحو 75% من الحجم الكلي للكون، كما أن 90% من الذرات كافة عبارة عن ذرات هيدروجين.
والمشكلة أن الهيدروجين لا يوجد حرًا في الطبيعة إلا في حالات نادرة للغاية؛ إذ يكون -في الغالب- مرتبطًا بجزيئات أخرى، سواء مع الغاز الطبيعي في حالته الغازية أو مع الماء والنفط في حالته السائلة؛ لهذا فإن الحصول عليه يتطلب فصله عن العناصر الأخرى.
وبالنسبة لأنواع الهيدروجين، جرى العُرف على تقسيم الهيدروجين إلى ألوان مختلفة حسب طرق إنتاجه، والمثير في الأمر أن الهيدروجين لا لون له، لكنها رموز تُستخدَم في الصناعة للتمييز بين أنواع الهيدروجين.
ورغم أن هناك 3 أنواع شهيرة من الهيدروجين، يُرمز لها بألوان الرمادي والأزرق والأخضر؛ فإن هناك تقسيمات بمزيد من الألوان حسب طرق استخلاصه، فيما يمكن أن يطلق عليه قوس قزح الهيدروجين، على حد وصف صحيفة فاينانشال تايمز.
1- الهيدروجين الأسود أو البني: يُستخرج من الفحم، عبر تحويل هذا الوقود الأحفوري إلى غاز -أو العملية المعروفة باسم تغويز الفحم- عبر تسخينه في درجات حرارة مرتفعة، وهي أقدم طريقة لاستخراج الهيدروجين وأكثرها تلويثًا للبيئة.
ووصف هذا النوع من الهيدروجين بأنه بني أو أسود اعتمادًا على نوع الفحم المستخدم في عملية إنتاج الهيدروجين، والأسود أكثر تلويثًا للبيئة من البني.
2- الهيدروجين الرمادي: يُستخرج من الغاز الطبيعي عن طريق فصل الهيدروجين عن الكربون عبر عملية إصلاح الميثان بالبخار، وهي الطريقة الأكثر شيوعًا والأقل تكلفة.
ومع ذلك، لا تُعَد هذه النسخة مرغوبة في ظل الظروف الحالية؛ بسبب انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون جراء عملية الاستخراج؛ إذ إن كمية الكربون الناتجة عن العملية تساوي 9 أمثال كمية الهيدروجين المنتجة.
3- الهيدروجين الأزرق: يكون الفحم أو الغاز الطبيعي هو المادة الخام المستخدمة لإنتاج الهيدروجين، لكن ما يفرق هذه الطريقة عن الطريقتين السابقتين أنها تكون مصحوبة بعملية تخزين ثاني أكسيد الكربون لاستخدامات أخرى أو احتجازه في باطن الأرض في مغاور ملحية أو في آبار النفط والغاز القديمة.
وهناك تركيز على الهيدروجين الأزرق حاليًا؛ لأنه سهل الاستخراج، وتقنية الاحتجاز والتخزين موجودة أيضًا، وهو بذلك قد يفي بالمتطلبات الاقتصادية والبيئية في الوقت نفسه.
4- الهيدروجين الأخضر: ينتج عن طريق فصل جزيئات الماء إلى هيدروجين وأكسجين عبر التحليل الكهربائي للماء المعتمد على الطاقة المتجددة، ورغم أن هذه الطريقة لا تنتج أي انبعاثات ضارة بالبيئة؛ فإن كمية الطاقة المستخدمة لفصل جزيئات الماء والحصول على الهيدروجين أكبر من كمية الطاقة في الهيدروجين؛ لذلك فإنها طريقة غير مجدية اقتصاديًا.
وأمام ذلك؛ فإن الأمور بدأت تختلف في الأوقات الأخيرة؛ بسبب انتشار طاقة الرياح والطاقة الشمسية بكثرة، خاصةً في الدول الصناعية، والتي تنتج الكهرباء في أوقات يكون فيها الطلب ضعيفًا، ومن ثم يمكن استخدام هذه الطاقة المبددة في الحصول على الهيدروجين.
وبعبارة أخرى، هبوب الرياح ليلًا والناس نيام يعني وجود طاقة مبددة لا قيمة لها، خاصةً أنه لا يمكن تخزينها في بطاريات، وفي هذه الحالة يمكن استخدام هذه الطاقة الفائضة بتكلفة منخفضة للغاية لتحليل الماء، وإنتاج الهيدروجين، ليصبح بمثابة البطارية التي خزّنت طاقة الرياح، ولكن المشكلة أن تقلب الرياح قد يحد من كميات الهيدروجين المنتجة.
5- الهيدروجين الأصفر: يُطلق على الهيدروجين المنتج بالتحليل الكهربائي للماء عبر استخدام الكهرباء المنتجة من محطات الطاقة النووية بدلًا من الطاقة المتجددة، وهي كذلك طريقة صديقة للبيئة؛ إذ لا تطلق انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وفي حين أن مصدر الطاقة في عملية إنتاج الهيدروجين الأسود والرمادي والأزرق هو الطاقة الحرارية؛ فإن الطاقة المتجددة تكون مصدر الطاقة في حالة الهيدروجين الأخضر، بينما يعتمد الهيدروجين الأصفر على الطاقة النووية.
6- الهيدروجين التركوازي أو الفيروزي: يُستخرج الهيدروجين عن طريق التحلل الحراري للكتلة الحيوية؛ إذ يُنتج تفكيكها الهيدروجين والكربون الصلب بصفته منتجًا ثانويًا، وفائدة هذه العملية انعدام انبعاثات الكربون؛ لكنها تطلق الكربون الصلب، وهي مادة لها استخدامات صناعية متعددة؛ كإطارات السيارات.
إذن؛ يكمن الفرق بين الهيدروجين الأزرق والهيدروجين التركزاوي في أن الكربون يُحتجز في الأول، بينما يكون صلبًا في الثاني، مع واقع أن الأخير (الهيدروجين التركوازي) يعاني مشكلتين -قد تُحَل الأولى مستقبلًا، لكن لا يمكن حل المشكلة الثانية- الأولى أن عملية إنتاجه ما زالت قيد التجربة، ومن غير المعروف حتى الآن ما إذا كان يمكن تطبيقها في مشروعات كبرى، أما الثانية فهي احتمال تسرب الميثان، وهو من أكثر غازات الاحتباس الحراري خطرًا على البيئة.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن تكلفة الهيدروجين المُنتج عبر الكهرباء المتجددة وصلت إلى التعادل مع النسخة المنتجة عبر استخدام الوقود الأحفوري في المناطق التي تشهد حاليًا ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، وسط أزمة الطاقة العالمية، وفق تقرير حديث صادر عن مجلس الطاقة العالمي.
كما أن استخدام طاقة الرياح المبددة، من شأنه أن يجعل الهيدروجين الأخضر مجديًا اقتصاديًا، ولكن تقلب الرياح قد يحد من الكميات المنتجة.
ويوجد كذلك الهيدروجين الأبيض، وهو الهيدروجين الموجود بشكل حر في طبقات الأرض ويتطلب الحفر تمامًا مثل عمليات حفر آبار النفط والتكسير المائي؛ للوصول إليه.
ورغم وفرته فإنه ليست هناك أي مشروعات في الوقت الحالي لاستخراجه، خاصةً أن عملية الاستخراج تتطلب طاقة، وهذه الطاقة ستُخلِّف بالطبع انبعاثات كربونية، وبعبارة أخرى؛ فإنه يفتقر في الوقت الحالي لمشروعات استخراج تفي بالمتطلبات البيئية.
وحتى الآن؛ فإن تصنيف الهيدروجين يجري على أساس معيارين؛ الأول هو معيار الألوان -كما ذكرنا أعلاه- أما المعيار الآخر فهو التصنيف حسب المادة المستخدمة في الإنتاج: متجدد أم غير متجدد؟
ويُسمى الهيدروجين المُنتج عبر الغاز الطبيعي أو الفحم بالهيدروجين غير المتجدد، أما المُنتج باستخدام الماء المعتمدة على الطاقة المتجددة فيُطلق عليه الهيدروجين المتجدد.