مصدر طاقة لا يغيب كالشمس ولا يهدأ كالرياح... تعرف على الهيدروجين النظيف

اعترف بنك "جولدمان ساكس"، في أحدث تقاريره، أن الهيدروجين النظيف (الأخضر) قد يكون هو الرابح الأكبر، في السباق نحو خفض انبعاثات الكربون نحو الصفر.

ذلك أن الهيدروجين هو أكثر العناصر وفرة في العالم، ودائماً ما يتم النظر إليه على أنه جزء من الحل لتحول العالم بعيداً عن الوقود الأحفوري.

لكن الطريق نحو استخدامه كان مليئاً بالمصاعب لعل أبرزها تكلفته، لكن وسائل جديدة لإنتاج الهيدروجين بتكلفة أقل هو ما قد يغير قواعد اللعبة بما يدفع أسهم الهيدروجين نحو الارتفاع السنوات المقبلة.

وكتب محللو البنك في مذكرة: "نعتقد أن الهيدروجين النظيف ظهر كدعامة أساسية لأي من جوانب مسألة الوصول إلى صفر انبعاثات."

وبحسب تقديرات المصرف الأميركي، فإن إجمالي السوق المستهدفة لتوليد الهيدروجين قد يصل إلى ما يزيد عن تريليون دولار بحلول 2050، وللوصول إلى مستوى صفر انبعاثات بحلول الموعد المحدد، يتوقع البنك ضرورة استثمار 5 تريليونات دولار على سلاسل توريد الهيدروجين.

لماذا يتجه العالم نحو الهيدروجين الأخضر؟

ازداد الاهتمام بهذا المجال بعد التقلبات الكبيرة في سوق الطاقة العالمي بفعل الحرب الروسية الأوكرانية، مما جعل الاتجاه نحو الهيدروجين الأخضر محل اهتمام مكثف لدى عديد الحكومات حول العالم، باعتباره وقود المستقبل البديل، الخالي من الانبعاثات الكربونية، ما ظهر جليا في وتيرة مشروعاته المتسارعة في سلطنة عُمان خلال الفترة الأخيرة.

وينتج الهيدروجين الأخضر عن عملية كيميائية يستخدم فيها تيار كهربائي ناتج عن مصادر متجددة لفصل الهيدروجين عن الأكسجين في الماء، ويعمل كناقل للطاقة الكيميائية، مثل النفط أو الغاز، ويخزن ثلاثة أضعاف الطاقة لكل وحدة كتلة مثل البنزين التقليدي، وعندما يحترق في الهواء يتحد مع الأكسجين لإنتاج الماء مرةً أخرى، وبالتالي تنتج طاقة دون انبعاث ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي، المسبب للاحتباس الحراري.

وإزاء هذه الخواص الفريدة، قرر عدد كبير من الدول زيادة قدرات إنتاج الهيدروجين الأخضر محليا، مثل كندا وفرنسا واليابان وأستراليا والنرويج وألمانيا والبرتغال وإسبانيا وتشيلي والصين وفنلندا، فيما أطلق الاتحاد الأوروبي خطة استراتيجية للاستثمار بإنتاجه في يوليو/تموز 2020.

ويقدر الإنتاج العالمي من أنواع الهيدروجين المختلفة حاليا بنحو 70 مليون طن، تستخدمها صناعات أهمها: سماد الأمونيا والمواد الكيميائية مثل الميثانول، وإزالة الشوائب أثناء تكرير النفط، فيما ترجح التوقعات العالمية أن يصل سقف الإنتاج إلى 400 مليون طن سنويًّا بحلول عام 2050، بينها 200 مليون طن من الهيدروجين الأخضر.

نظرة علمية إلى الهيدروجين الأخضر وفرقه عن الهيدروجين العادي:

من المعلوم أن الماء هو الناتج الثانوي الوحيد لعملية احتراق الهيدروجين، ولهذا ظل الهيدروجين، على مدى عقود، مثيرًا لفضول العلماء باعتباره مصدرًا للطاقة خاليًا من الكربون. إلا أن عملية إنتاج الهيدروجين التقليدية، التي تنطوي على تعريض الوقود الأحفوري للبخار، أبعد ما تكون عن الخلوِّ من الكربون. ويُطلق على الهيدروجين الناتج بهذه الطريقة الهيدروجين الرمادي، وفي حال عزل ثاني أكسيد الكربون عنه، يُعرف بالهيدروجين الأزرق، بحسب مجلة العلوم الأميركية.

أما الهيدروجين الأخضر فأمره مختلف؛ إذ يجري إنتاجه عن طريق التحليل الكهربائي باستخدام آلاتٍ تعمل على تحليل الماء إلى عنصرَي الهيدروجين والأكسجين، دون أي نواتج ثانوية. وكان التحليل الكهربائي يتطلب، في المعتاد، استهلاك قدر كبيرٍ من الطاقة الكهربية، إلى الحدِّ الذي جعل من غير المعقول إنتاج الهيدروجين بتلك الطريقة.

أما اليوم، فقد شهد الوضع تغيُّرًا يُعزى إلى سببين اثنين: أولهما تَوافُر فائض من الكهرباء المتجددة بكميات كبيرة في شبكات توزيع الكهرباء؛ فعوضًا عن تخزين الكهرباء الفائضة في مجموعات كبيرة من البطاريات، يمكن الاستعانة بها في عملية التحليل الكهربائي للماء، ومن ثم "تخزين" الكهرباء في صورة هيدروجين. وأما السبب الثاني فيرجع إلى ما تشهده آلات التحليل الكهربي من زيادةٍ في كفاءتها.

تحديات مشاريع الهيدروجين الأخضر:

الواقع أن هناك قائمة طويلة من التحديات تعوق تطوير صناعة الهيدورجين الأخضر، بدءاً من تكاليف الإنتاج المرتفعة، إلى مخاوف السلامة والحاجة إلى الاستثمار بكثافة في البُنية التحتية والنقل وتخزين الوقود، وذلك وفقاً لمصادر من القطاع ومحللين وأكاديميين.

وقال الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" إنه “يظهر جلياً أن الدول النامية تظل أقل قدرة على الاستفادة من الفرص التي يمثلها التحول نحو الهيدروجين الأخضر”.

وأشار إلى عوائق لوجستية وتكنولوجية وفي مجال البنية التحتية بالإضافة إلى عدم قدرة الدول النامية على التنافس مع المنتجين الأوروبيين الذين يستفيدون من دعم حكوماتهم.

وعلى صعيد الطلب، عبر الخبراء أيضاً عن قلقهم إزاء احتمال أن يؤثر ارتفاع الأسعار عالمياً على الاستهلاك.

وقال "طارق إمطيره"، مدير إدارة الطاقة في منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية “إذا طُرح الهيدروجين الأخضر في السوق بسعر اليوم، سيؤدي إلى ما أصفه بالربح الأخضر على سلع معينة مثل الصلب والأسمنت. هل هناك طلب على هذه المنتجات في الأسواق المحلية؟ هذا هو السؤال، ونحن لم نره بعد”.

ويتكون الهيدروجين الأخضر بالأساس حالياً من الغاز الطبيعي ويُستخدم في الأسمدة ومصافي التكرير. وتؤدي أغلب الأساليب إلى انبعاث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون.

وتشمل العوائق أمام تطوير اقتصاد معتمد على الهيدروجين ندرة المياه العذبة والمسافة بين أفضل المواقع لإنتاج الهيدروجين الأخضر والحاجة إلى تصديره عبر الموانئ البحرية.