الجزائر تطلق دينارًا رقميًا في خطوة استباقية قبل كل دول المنطقة
نصّ القانون المصادَق عليه مؤخرا من قبل مجلس الوزراء الجزائري برئاسة الرئيس "عبد المجيد تبون"، على إدخال شكل رقمي جديد من العملة النقدية، يسمى "الدينار الرقمي الجزائري"، يشرف بنك الجزائر على تطويره وتسييره.
وأشار القانون المعدل، إلى "انفتاح النظام البيئي المصرفي على البنوك الرقمية ومقدّمي خدمات الدفع، إلى جانب توسيع وسائل الدفع لتشمل العملة الإلكترونية".
هل دينار الجزائر الرقمي هو عملة مشفرة؟
عن فحوى الدينار الرقمي وخلفيات اعتماده من السلطات النقدية الجزائرية، أوضح الخبير المالي "عبد القادر بريش" ألا صلة له إطلاقا بالنقود الرقمية المعروفة حاليا، أو ما يسمّى بالعملة المشفرة أو الإلكترونية، مثل البتكوين والإيثريوم وغيرهما.
وبالمقابل، اعتبر الخبير -وهو عضو لجنة المالية بالبرلمان- اعتماد الدينار الرقمي في الجزائر، ضمن سياق الإصلاحات المالية وتحديث المنظومة المصرفية، من أجل تمكين بنك الجزائر من رقابة أفضل على حجم السيولة المتداول فيما بين البنوك.
وأضاف في حديثه لـ "الجزيرة نت" أن القرار يستهدف خلال المرحلة الأولى ضبط وإدارة السيولة فيما بين البنوك، وفي علاقتها مع البنك المركزي على مستوى السوق النقدي، تحت إشراف بنك الجزائر، من أجل التحكم بكتلة مصرفية بحجم 1500 مليار دينار جزائري (11.1 مليار دولار)، بحسب إحصائيات مارس/آذار 2022.
بينما يهدف الإجراء في مرحلة ثانية إلى تعميم وسائل الدفع وتحضير البيئة الداعمة لتوسيع التكنولوجيا المالية، بحسب المتحدث.
كيف ستستفيد الجزائر من الدينار الرقمي؟
ستتم التحويلات المالية وتسوية السيولة فيما بين البنوك بواسطة البروتوكولات المالية، بدلا من التحويلات بالطرق التقليدية والتقليل من حركة نقل الأموال في شكلها القانوني السائل، وهذا من شأنه التقليل من تكلفة طبع النقود القانونية، ونقلها وحراستها، بحسب الخبير بريش.
ومن الناحية التقنية، سيساهم إطلاق الدينار الرقمي الجزائري كذلك في قدرة البنك المركزي على تتبع حركة السيولة ومعرفة أدق للمجالات التي تستحوذ على قسط أكبر من التعاملات السائلة، وبالتالي القدرة على احتوائها وفرض التعامل بواسطة وسائل الدفع المختلفة، مثل الشيك والتحويلات المالية ومختلف وسائل الدفع بما فيها الإلكترونية منها، والكلام للبرلماني ذاته.
ومن جانبه، أكد "عبد الرحمن عية"، مدير مخبر تطوير المؤسسة الاقتصادية الجزائرية بجامعة ابن خلدون، أن تجربة بلاده مع الدينار الرقمي ليست الأولى، بل هي موجودة، وتبرز عند قيام المتعامل باستخدام بدائل النقود، على غرار البطاقات الإلكترونية في المدفوعات، حيث يتم تحويل القيمة من حساب إلى حساب دون التداول المادي للسيولة.
وأوضح لـ "الجزيرة نت"، أن الأرصدة التي تحتوي على نقود وتُحرك بالبدائل تتكون عموما من ودائع مادية، أي أن المتعامل أو زبون البنك يزود حسابه بنقود ورقية أو معدنية، قبل أن يكون له الخيار في استخدامها، سواء في شكلها المادي (سحب نقود للدفع) أو يحركها بالبدائل وهو ما يطلق عليه بالدفع الرقمي.
من هذا المنطلق، يمكن اعتبار الجديد في خطوة الحكومة الجزائرية من الناحية التقنية هو التزويد المباشر للحسابات البنكية للمؤسسات (ثم الأفراد مستقبلا)، دون أن يكون هناك وجود مادي للنقود في شكلها الورقي أو المعدني، بحسب الخبير "عيّة".
وتسمح الخطوة أيضا برفع الكتلة النقدية دون الطبع المادي للنقود، كما يمكن من التحكم في مستويات التضخم، لأن هذه النقود تُحرك بوسائل الدفع الإلكتروني (بطاقات الدفع، الإنترنت، الموبايل)، إذ لا يمكن أن تدار خارج الأطر المصرفية، كما تتيح مع مرور الوقت امتصاص أموال السوق الموازية.
وينتظر الخبير "عبد الرحمن عيّة" من قانون النقد والقرض الجديد أن يضبط حدود التعامل بالدينار الرقمي، والمتدخلين من المصارف والمؤسسات الحكومية والخاصة والجمهور، مع وضع أطر لمراقبة تحركات الدينار الرقمي، من خلال لجان الرقابة المصرفية أو بواسطة أعمال التدقيق المصرفي.
ومن جهة أخرى، اعتبر الخبير "برّيش" أن إطلاق الدينار الرقمي عبر إدخال التكنولوجيا المالية، عامل مهم في تهيئة البيئة للانخراط في المنظومة المصرفية العالمية، حيث سيزيد من انفتاح الاقتصاد الجزائري على الخارج.
وأكد أن إضفاء المزيد من المرونة في حركة التحويلات المالية من وإلى الخارج، يعزز الثقة في المنظومة المالية والمصرفية الجزائرية ويساهم في جلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع البنوك والمؤسسات المالية للاستثمار في الجزائر.