لماذا تخاف الصين من انخفاض عدد سكانها وهل يعني ترشيد الإنجاب رفاهية أكبر للشعوب؟
على عكس الاعتقاد الذي كان سائدًا حتى فترة قريبة من الزمن، فإن انخفاض النمو السكاني ونسب المواليد في مجتمعٍ ما، لن يضمن رفاهيةً أكبر أو توزيعًا أفضل للثروة على أفراد هذا المجتمع، وتعتبر الصين – النصير السابق الأكبر لسياسة ترشيد الإنجاب – أكبر مثالٍ على ذلك.
في التفاصيل، فقد قال الكاتب والخبير الاقتصادي الأميركي "بول كروغمان"، إن تراجع عدد السكان في الصين ينذر بجعلها تتعرض لمشاكل خاصة بها، ويحذر من اعتبار ذلك خبرا سارا.
ولفت إلى أنه من الأهمية بمكان أن ندرك أن تراجع السكان إذا نتج عنه انخفاض عدد العمال فهذا يعني أنه ستكون هناك حاجة لبناء مصانع جديدة أقل ومباني مكاتب أقل وما إلى ذلك، أما إذا كان عدد العائلات آخذا في الانخفاض فهذا يعني أنه لن تكون هناك حاجة كبيرة لبناء مساكن جديدة.
وأظهرت بيانات رسمية صادرة عن المكتب الوطني للإحصاءات في الصين (NBS)، أن عدد سكان البلاد بلغ 1.4 مليار نسمة بنهاية عام 2022، بانخفاض 850 ألف نسمة مقارنة بعام 2021.
ويعتقد "كروغمان" الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2008 أن المشكلات الناجمة عن تدني أعداد السكان ليست عصية على الحل إذا ما توفر وضوح الرؤية الفكرية والإرادة السياسية للمسؤولين الصينيين، كما أنه يرى أنه من غير الواضح إذا كانت الصين سترقى إلى مستوى التحدي في تعاملها مع الوضع الجديد.
أما لماذا لا يعد انخفاض عدد السكان -في نظره- خبرا سارا، فذلك لأنه يتسبب بمشكلتين رئيستين للإدارة الاقتصادية في الصين مما سيلقي أعباء جمة على موارد كوكب الأرض المحدودة أصلا وعلى المجتمع الدولي.
المشكلة الأولى: شيخوخة المجتمع
أوضح الخبير في مقال بصحيفة "نيويورك تايمز" (The New York Times) أن المشكلة الأولى تكمن في أن انخفاض عدد السكان يؤدي إلى شيخوخة المجتمع حيث يعتمد كل مجتمع على الشباب لدعم كبار السن.
ويصف "كروغمان" شبكة الأمان الاجتماعي في الصين بأنها غير متطورة نسبيا مقارنة بنظيرتها في الولايات المتحدة.
ووفقا للكاتب، فإن الارتفاع "المذهل" في نسبة إعالة كبار السن في الصين يعني أن الدولة ستضطر إلى التسبب، إما في قدر كبير من الألم الاقتصادي لهذه الفئة من السكان، أو في زيادة الضرائب زيادة كبيرة على المواطنين الأصغر سنا، أو كلا الاحتمالين.
وفقا لتقرير صدر عن مؤسسة أبحاث التنمية الصينية، فإنه بحلول عام 2050 سيكون في الصين أكثر من 500 مليون شخص تبلغ أعمارهم 60 عاما أو أكثر، أو ما يقرب من ثلث إجمالي السكان المتوقع في ذلك الوقت.
المشكلة الثانية: قلق في الخارج من الصين
أما المشكلة الأخرى -حسب المقال- فليست بذلك الوضوح، لكنها تبقى خطرة، ذلك لأن التوظيف الكامل للعمالة يتطلب من المجتمع الإبقاء على الإنفاق العام عند مستويات مرتفعة بما يكفي لتتماشى مع القدرة الإنتاجية للاقتصاد.
ويستطرد الكاتب قائلا إن الاقتصاد الصيني يعتمد -على ما يبدو- في هذه المرحلة على قطاع عقارات متضخم بشكل لا يصدق؛ وذلك "أشبه ما يكون بأزمة مالية على وشك الحدوث بكل تأكيد".
ويقر الاقتصادي الأميركي في مقاله بأنه لا يعرف إلى أي مدى ستدفع التحديات الديمغرافية الصين إلى التعثر، "ولكن هناك أسباب وجيهة للقلق".
ويختم بالقول إن الصين قوة عظمى يقودها زعيم "مستبد ويبدو غريب الأطوار، وأعتقد أن القلق بشأن الكيفية التي سترد بها الصين، إذا كان أداء اقتصادها ضعيفا، أمر متوقع تماما".
سكان الصين في خطوات متسارعة نحو الانقراض:
حسب دراسة أجرتها الأمم المتحدة، فإن عدد سكان الصين قد ينخفض إلى النصف تقريبا بحلول عام 2100، وأشارت الدراسة إلى انحدار شديد في النمو السكاني بات يثير أسئلة عميقة للبلاد وقادتها.
قد يبدو عام 2100 ليس قريبًا بالنسبة لنا كأفراد، لكنه فترة قصيرة للغاية في عمر الأمم والدول، وإذا تحققت هذه الفرضية من الأمم المتحدة، فذلك يعني حرفيًا أن الصين العملاقة تسير بخطى متسارعة نحو الانقراض!
وبينما يعتقد الخبراء الديموغرافيون أنه لا يزال هناك متسع من الوقت لتجنب أزمة سكانية، فإن بكين ستحتاج إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات القوية في الوقت المناسب؛ فشيخوخة السكان ومعدل المواليد المتناقص والزيجات الأقل -التي تحدث بوتيرة متسارعة- جعلت نقطة التحول تحين أسرع بعقد من الزمن مما كان متوقعا.
الصينيون يعزفون عن الزواج فما السبب؟
تم تسجيل ما مجموعه 7.63 ملايين حالة زواج في جميع أنحاء الصين عام 2021، وهو مستوى قياسي منخفض على مدار 36 عاما الماضية، عندما بدأت وزارة الشؤون المدنية إصدار مثل هذه الإحصاءات.
ووفقا لمعهد "إيفرغراند" للأبحاث، فإن عدد النساء في عمر الإنجاب (بين 20 و35 عاما) سينخفض إلى 110 ملايين بحلول عام 2030، بعد وصول ذروته إلى 190 مليونا عام 1997.
وتختلف النظريات حول سبب استمرار تردد النساء الصينيات في إنجاب الأطفال رغم ما أعلنته الحكومة من جهود لتحسين السياسات المتعلقة بإجازة الأمومة والتأمين، وكذلك لتعزيز الضرائب ودعم سياسة الإسكان، وأحد الاحتمالات أن السكان اعتادوا على الأسر الصغيرة، وهناك سبب آخر يتعلق بارتفاع تكاليف المعيشة، في حين يعتقد آخرون أن الأمر قد يكون بسبب تأجيل الزواج، مما يؤخر المواليد ويثبط الرغبة في الإنجاب.
تقول "تشن فاي فاي" (مقيمة في بكين وفي أوائل الثلاثينيات من عمرها) إن الرهون العقارية تجاوزت معظم الدخل، وهي عبارة عن دورة سداد مدتها 30 عاما، بالإضافة إلى أنواع مختلفة من الديون؛ مثل بطاقات الائتمان والقروض الاستهلاكية عبر الإنترنت، وأضافت تشن للجزيرة نت أن "رغبتنا في الولادة تكاد تكون معدومة، ولا تزال لدينا كثير من القروض لسدادها كل شهر، وهذه أكثر وسائل منع الحمل فعالية".
وبلغ معدل الخصوبة الإجمالي في الصين (المواليد لكل امرأة) 2.6 في أواخر الثمانينيات، وهو أعلى بكثير من 2.1 اللازم لتعويض الوفيات، لكنه انخفض إلى 1.3 عام 2020 و1.15 فقط عام 2021.