3 مشاريع شبابية مبتكرة في لبنان أثبتت نفسها أمام الواقع الاقتصادي المرير
لا يمكن إنكار أن الأزمات الاقتصادية الواقعة على عاتق لبنان وغيره من بلدان الشرق الأوسط هي أمور أكبر من أن يتم التعامل معها على صعيد الأفراد، لكن ذلك لا يعني الاستسلام وإهدار الوقت على التذمر وندب الحظ.
في القصص التالية، روت صحيفة "العربي الجديد" 3 قصص لشباب لبنانيين استطاعوا النجاح في مشاريعهم وإيجاد الأمل في رحم المعاناة.
أولًا: مشروع الحديقة
مطلع يونيو/ حزيران الماضي، انطلق "إيلي عبد الله" (26 عاماً)، خرّيج إدارة الأعمال والتسويق، مستفيداً من حديقته الطبيعيّة في مدينة البترون (شمال لبنان) من أجل تقديم شتّى أنواع المناقيش اللبنانية المخبوزة على الصاج، وغيرها من الأطباق التي تقدم كوجبات فطورٍ لبنانية.
يقول "عبد الله" الذي يتابع اليوم التخصّص في مجال إدارة الفنادق: "في ظلّ الظروف الصعبة التي نعيشها في لبنان، ومحدوديّة أو انعدام فرص العمل، اخترتُ ألا أقف مكتوف اليدين، فكان أن راودتني فكرة الاستفادة من الحديقة، لا سيّما أنّها تقع بين المنازل الأثرية وبيوت العقد اللبنانية المعروفة في المدينة، والتي يرتادها السيّاح والمغتربون والمواطنون المحليون. ووجدتُ في الحديقة متنفّساً للاستمتاع بفطور وصباح هادئ بعيداً عن صخب الحياة ومصاعبها. فتحوّلت تلك الجنينة (الحديقة) إلى وجهةً أساسيّة رغم بساطة تصميمها، سواء بأشجارها وورودها ونسماتها العليلة، أو بنباتاتها العطرية، التي نستخدمها ضمن مأكولاتنا".
ويسرد كيف كان يرغب بالهجرة بعد تدهور الأوضاع المعيشيّة وانعدام مقوّمات العيش الكريم في لبنان منذ عام 2019، غير أنّ والدَيه رفضا الفكرة وطلبا منه المكافحة والصمود والبقاء في وطنه إلى جانبهما وشقيقه.
ويتابع: "على ضوء ذلك، بدأتُ التفكير بمشروعٍ يحسّن أحوالي وأحوال أهلي، فاتّجهتُ نحو المناقيش والمأكولات اللبنانية التقليديّة المتوارثة من الآباء والأجداد، نظراً لما تلاقيه من رواجٍ وشعبيّة. قرّرنا أن نعتمد في كلّ أصنافنا على منتجاتٍ طازجة تعدّها والدتي، من اللّبنة البلدية والكشك والزعتر إلى الزيت والزيتون البلدي، مروراً بالخضار الطازجة التي نزرع بعضها في حديقتنا، وصولاً إلى الفول والبيض بقاورما الشهيرة في لبنان، والتي نقدّمها بطبقٍ من الفخار التقليدي، وتتولى والدتي إعداد القاورما. ونوفّر مع الأطباق خبزاً ساخناً يخبز أمام الناس على الصاج، ناهيك عن السحلب الساخن وبعض الحلويات".
حديقة إيلي أو "Elie's Yard"، التي تتميّز بموقعها في قلب سوق البترون القديم، ينهمك فيها "إيلي" وأهله بتلبية طلبات الزبائن طوال اليوم، وتتحوّل فترة بعد الظهر والفترة المسائيّة إلى مقصدٍ للراغبين بتناول المشروبات الباردة والساخنة على أنواعها.
الشاب العشريني الذي لم تردعه الظروف الاقتصادية الصعبة عن مواصلة الأمل بلبنان، يقول للشباب اللبنانيين: "لا تتوقّفوا عن الحلم والابتكار واستثمار كلّ طاقاتكم وإمكانيّاتكم ومكتسباتكم المعرفية والتقنية من أجل تحقيق طموحاتكم وممارسة الأعمال التي تبرعون فيها. فالتحديّات على اختلافها يجب أن تكون حافزاً للمضي قدماً بدلاً من الاستسلام للواقع المأزوم".
ثانيًا: مشروع الشموع
أمّا "ماغي مهوّس" وصديقتها "جنى بطرس"، فقد بادرتا إلى تأسيس مشروعهما الخاص. انطلقت الشابّتان بفكرة تصنيع الشمع بسبب شغفهما بهذا المجال.
تروي الشابتان كيف كانتا تفكّران بضرورة العمل أو تأسيس مشروع يدرّ عليهما مصروفهما اليومي على الأقلّ، أو حتّى جزءاً من القسط الجامعي، وخصوصاً في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة في البلاد.
وتقولان: "أردنا تحمّل مسؤوليّة أنفسنا، والتخفيف عن كاهل أهلنا، ووجدنا أنّ الشمع بات مطلوباً بكثرة، لا سيّما مع تفاقم أزمة انقطاع التيار الكهربائي في لبنان. بدأنا تصنيع الشمع بشكلٍ متواضع وبسيط في البداية، واختبرنا الكثير من التحديّات والمصاعب والتجارب، وثابرنا على اكتساب الخبرات والمعارف، قبل أن نصل إلى تصنيع الشمع بالنوعيّة والجودة المطلوبتين اللتين تلتزمان معايير السلامة العامة، والتفنّن لاحقاً بإضافة الروائح العطرة وابتكار أشكالٍ متنوّعة من الشمع تجذب المارّة باتجاه بحر البحصة (شمال لبنان) في عطلة نهاية الأسبوع، ومتابعي صفحتنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي".
"_justcandles" (شموع فقط) ليست مجرّد صفحة تعرض صور الشموع وأسعارها، أو منصّة تتلقّى الطلبات من كلّ المناطق اللبنانية مع خدمة التوصيل، بل هي أكثر من ذلك. ففي غضون خمسة أشهر، تمكّنت "ماغي" و "جنى" من الانتشار بشكل واسعٍ.
ثالثًا: مسبح وشاليه في أحضان الطبيعة
من جهته، لم يكن أمام الشاب الثلاثيني "صالح مصلح"، من بلدة كفرمتى (محافظة جبل لبنان)، سوى أرض والده بعد عشر سنواتٍ من العمل في إحدى الصيدليّات، حيث دفعته الأوضاع الراهنة في لبنان وتدهور العملة الوطنية إلى التفكير بضرورة تأسيس مشروعه الخاص.
يروي الشاب "مصلح"، خرّيج تخصص الكيمياء الحيوية، كيف أنّ والدته حفّزته على استثمار الأرض، لا سيّما أنّ موسم الزيتون فيها ضعيف جداً، قائلاً: "ارتأينا أن يكون مشروعنا سياحيّاً، فكان أن انطلقتُ بورشة بناء مسبحٍ خاص مع شاليه صغير للإيجار (Golden Rock Private Pool & Chalet)، والذي لاقى حركة لافتة منذ افتتاحه مطلع يوليو/تموز 2022 وطوال فصل الصيف. فبلدتنا باتت منذ سنواتٍ قليلة وجهةً للسيّاح والمغتربين وأبناء المدن وحتّى القرى المجاورة، إذ إنّ فكرة وجود مسبح في أحضان الطبيعة وبين الجبال جذبت انتباه الكثيرين من الباحثين عن فرصةٍ للاستمتاع بالطبيعة، والسباحة بعيداً عن ضجيج المدن ولهيب شمسها".