4 أسباب تفسر الفوضى الاقتصادية الحاصلة في سوريا مؤخرًا

مع تصاعد التضخم وهبوط العملة والنقص الحاد في الوقود يقول الخبراء بكل ثقة إنّ الاقتصاد السوري وصل الآن إلى أدنى مستويات أدائه منذ بداية الحرب قبل نحو 12 عاماً.

ويربط الناس غالبًا هذا الوضع بارتفاع سعر صرف الدولار، وهو بالفعل أحد أكبر الضربات التي تلقاها الاقتصاد السوري مؤخرًا، لكنه ليس العامل الوحيد لحدوث الصورة الاقتصادية المشوهة التي نراها حاليًا، فهناك أربع أسباب يجب أخذها أيضًا بعين الاعتبار:

أولًا: ضعف القوة الشرائية والركود التضخمي

بالسعر الرسمي، يناهز سعر صفيحة البنزين (20 لتراً) الآن نحو راتب شهر كامل لموظف حكومي متوسط، وهو حوالي 150 ألف ليرة سورية. وقد توقف بعض الموظفين عن الحضور إلى العمل لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف النقل، فوصلت البلد إلى مرحلة أن قوة الناس الشرائية ليست ضعيفة فحسب بل منعدمة، وبالتالي لا دافع للعمل.

يقول الباحث السويسري والأستاذ بمعهد الجامعة الأوروبية "جوزيف ضاهر": "بما أنّ الأجور لا تقترب من تغطية تكاليف المعيشة، فإنّ معظم الناس يعيشون على التحويلات، ويعيشون على وظيفتين أو ثلاث وظائف وعلى المساعدة الإنسانية".

وأبلغ مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسورية "غير بيدرسون" مجلس الأمن الدولي، في 21 ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، بأنّ "احتياجات الشعب السوري وصلت إلى أسوأ المستويات منذ بدء الصراع".

ثانيًا: الارتباط مع لبنان

بغض النظر عن سنوات الحرب والعقوبات والفساد المستشري، شهد الاقتصاد السوري سلسلة من الصدمات منذ عام 2019، بدءاً من انهيار النظام المالي اللبناني في ذلك العام.

وزير الاقتصاد اللبناني الأسبق "ناصر السعيدي" قال إنه "نظراً إلى الحدود المفتوحة بين سورية ولبنان وكلاهما لديه اقتصاد يعتمد على النقد بشكل متزايد، فإنّ أسواقهما مرتبطة بشكل لا ينفصم"، مشيراً إلى ارتفاع الأسعار في سورية.

علاوةً على ذلك فقد أصبحت مسألة تهريب الدولار بين سوريا ولبنان أمرًا مفضوحًا وعلنيًا، لذا فإن توافر الدولار الهام للاستيراد وشراء النفط وغيره يتعلق بشكل أو بآخر بعمليات تهريب عشوائية.

ثالثًا: شراء النفط من إيران بالدين وبيعه نقدًا

يرى المحللون أن العامل الأكثر أهمية هو التباطؤ الأخير في شحنات النفط من إيران، التي كانت المصدر الرئيسي للوقود لدمشق منذ السنوات الأولى للصراع، علماً أنه قبل الحرب كانت سورية دولة مصدرة للنفط.

والآن تسيطر جماعات يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة على أكبر حقولها النفطية في شرق البلاد، لذا يتعين على دمشق استيراد النفط.

في هذا الصدد، يشير "جهاد يازجي" الخبير الاقتصادي ورئيس تحرير "سيريا ريبورت" إلى أنّ دمشق تشتري النفط من إيران بالدين، لكن "عندما يبيعون النفط في الأسواق يبيعونه نقداً"، لذا فإنّ مواجهة معروض النفط تقلل أيضاً من المعروض النقدي للحكومة.

وألقى وزير النفط السوري "بسام طعمة" في حديث للتلفزيون الرسمي في نوفمبر/ تشرين الثاني باللوم في نقص الوقود على العقوبات الغربية والتأخيرات الطويلة في إمدادات النفط من دون أن يوضح أسباب التأخير، بينما لم يرد مسؤولون إيرانيون على طلب للتعليق.

رابعًا: المستقبل الاقتصادي القاتم

يرجح الخبراء أن تستمر البلاد في التعثر رغم المساعدات والتحويلات المالية من الخارج. ويقول الباحث "ضاهر" إنّ السوريين الذين شملهم الاستطلاع كجزء من دراسة ستُنشر قريباً أفادوا بأنهم يتلقون في المتوسط ما بين 100 و200 دولار شهرياً من أقاربهم في الخارج.

وانتهى إلى القول إنّ "الناس متعبون للغاية ويفكرون قبل كل شيء في البقاء على قيد الحياة، ولا يوجد بديل سياسي لترجمة هذا الإحباط الاجتماعي والاقتصادي إلى سياسي".

لذا فإن الاقتصاد السوري يمكث في واقع أسود وينتظر مستقبلًا غامضًا قد يكون أكثر سوادًا لو استمر الوضع على ما هو عليه، وهذه السحب الداكنة التي تحيط بالمنطقة تمنع أي فرص استثمار أو إعادة إعمار أو انتعاش اقتصادي حقيقي.