الفقر يستعر في لبنان وحلول الحكومة تبقى ترقيعية

تقدر نسبة اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر بـ 80 بالمئة، بينما يتكلم البعض عن أرقامٍ أكبر، وتحذر منظمات غير حكومية من أثر ذلك على الأجيال القادمة.

في تقرير حديث لصحيفة "النهار" رصدت فيها ظاهرة الفقر وأحوال الفقراء بلبنان، تقول "أم جواد" (36 عاماً) إنها تعيش كل يوم بيومه، وتشتكي: "لا شيء ثابت أو يمكن الاتكال عليه، أعمل في دوام جزئي لأعيل أطفالي الثلاثة بعد وفاة زوجي... التحديات كبيرة جداً خصوصاً بعد الأزمة، كنت أعيش على الهامش أما اليوم فتزداد الحياة صعوبةً وقساوة". 

وكان على "أم جواد" أن تتخلى عن الكثير من الحاجات والتضحية بالخيارات الغذائية والتقشف حتى تتمكن من متابعة تعليم أولادها. فبرأيها أن: "العلم أهم سلاح يمكن فيه مواجهة صعوبات الحياة، لذلك يكون التعليم أولوية أكثر من الطعام... وقد تخليت عن الدجاج واللحمة وغيرها من الأمور التي بات من الصعب جداً تأمينها، تسعفني أحياناً بعض المساعدات الغذائية التي تصلنا وهي تكون سنداً لي حتى أتمكن من تأمين كلفة التعليم والتدفئة بما تيّسر".

تحاول أن تخفي الأم الأرملة قلقها أمام أولادها وتقول: "لا أريد أن يشعروا بالفرق وبصعوبة تأمين أبسط الحاجات، أحاول جاهدة أن ألبي لهم، ولو مرة في الشهر، طلباً صغيراً حتى يشعروا كأنهم كباقي الأطفال، وأنهم غير محرومين من أشياء كثيرة... بات كل شيء مكلفاً جداً وراتبي لا يساوي شيئاً".

انعدام الأمن الغذائي في لبنان... مستويات خطيرة:

بين تشرين الثاني 2021 وكانون الثاني 2022، أجرت "هيومن رايتس ووتش" مسحاً على عيّنة تمثيلية شملت 1209 أسر في لبنان لمعرفة أوضاعهم الاقتصادية ومدى قدرتهم على تحمل التكاليف الأساسية من الطعام والدواء والسكن والتعليم.

وأظهر المسح أن انعدام الأمن الغذائي قد وصل إلى مستويات تنذر بالخطر، إذ إن العديد من العائلات، بمن فيهم الأطفال، يعيشون الجوع. لا يأكل شخص بالغ في أسرة واحدة من بين كل عشر أسر ليوم كامل بسبب نقص المال.

في حين وجد مسح أجرته "اليونيسف" في حزيران أن ما يصل إلى 70% من الأسر تقترض المال لشراء الطعام أو تشتريه بالدين. وقالت إنه يتم إرسال المزيد من الأطفال للعمل لإعالة أسرهم، ويتم تزويج الفتيات الصغيرات لتخفيف النفقات المالية.

وفي آذار 2022، أصدرت الحكومة أول مؤشر متعدد الأبعاد للفقر، استناداً إلى بيانات مسح الأسر المعيشية 2019/2018 على 19 مؤشراً يتوزع على خمسة أبعاد: التعليم، والصحة، والرفاه المالي، والبنية التحتية الأساسية، ومستويات المعيشة. وجد التقييم أن في العام 2019 – أي قبل الأزمة – كان 53.1% من السكان يعيشون في فقر متعدد الأبعاد.

وتقدر "لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا" (الإسكوا) أن الفقر متعدد الأبعاد ارتفع من 25% عام 2019 إلى 82% عام 2021. ويعيش 74% من السكان في فقر الدخل، بأقل من 14 دولاراً أميركياً في اليوم. في حين يقدر البنك الدولي أن أكثر من نصف السكان كانوا يعيشون تحت خط الفقر الوطني عام 2020.

كل هذه الأرقام والنسب تُلخص واقعاً مخيفاً يزداد انتشاراً سنة تلو الأخرى، وربما يكون توصيف البنك الدولي الأدق للحالة اللبنانية "أنها من أسوأ الأزمات المالية والاقتصادية التي عرفها العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر".

فقط في لبنان... أغنياء فقراء:

يعترف وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال "هيكتور الحجار" أن "لا إحصاءات دقيقة عن أرقام الفقر، إلا أن الفقر في لبنان متعدد الأوجه وهو فقر لا مثيل له في العالم، هناك أغنياء هم اليوم فقراء بسبب حجز أموالهم في المصارف، ولم يعد بإمكاننا حصر الفقر في مكان واحد... لقد دخلنا في أزمة متشعبة!".

ويتساءل "حجار" من المسؤول عن الانهيار المالي في البلد وكيف يمكن معالجته؟ إذ يقول: "لغاية اليوم لم أفهم ما هو السبب لتدهور العملة اللبنانية، اسأل وزير المال ولا أفهم منه، أسأل الحكومة ولا أفهم منها، ولغاية اليوم لا نعرف من هو رأس هذه العملية".

ويؤكد رفضه مواجهة الدعم الإنساني بالصراع السياسي، ويقول: "ليس مبرراً أن تؤدي الخلافات إلى تجويع الناس وتفقيرهم، وأعترف أن كل الشكاوى التي وردت إلينا والتي تأخرنا في معالجتها سيتم حلّها تباعاً وسيأخذ كل من له حق حقه وخاصة من ذوي الحاجات الخاصة والمسنين وذوي الأمراض المستعصية".