لعبة الصرافين في لبنان... الأرباح ب 'الجيبة' سواءً عند الصعود أو الهبوط
مساء الثلاثاء الماضي انتشرت صور وفيديو لأحد العاملين في محلات الصرافة في ساحة شتورا وهو في حالة غضب شديد؛ هذا الفيديو سرعان ما تداولته مواقع إلكترونية وصفحات إخبارية متحدّثة عن انهيارات في صفوف الصرّافين جرّاء الانخفاض المفاجئ لـ سعر الدولار في لبنان.
على إثر ذلك، قامت جريدة "نداء الوطن" المحلية، باستطلاع الأمر ميدانياً، ليتبين أنه لا يتخطّى إشكالاً فردياً وقع بين عاملَين في مكان واحد، وتمّ تطويقه سريعاً.
ولكن سرعة انتشار هذه الأخبار تظهر رغبة لدى البعض في رؤية انهيارات فعلية بصفوف الصرّافين، وتؤكّد ذلك التعليقات التي ترافق نشر الفيديوهات عبر المواقع، ويحمّل معظمها الصرّافين مسؤولية ارتفاع سعر الدولار في لبنان والتلاعب به، ليصبوا غضبهم على هؤلاء، رغم إدراكهم أن هذا ليس سبب انهيار الليرة الأصلي.
كيف يعمل صرافو لبنان؟
تقول "نداء الوطن": "يظهر مزيد من التمعّن في طريقة عمل الصرّافين، وفي استراتيجياتهم المتّبعة للحفاظ على رساميلهم، صعوبة تضرّر الصرّافين مباشرة جرّاء عدم استقرار سعر صرف الدولار والتلاعب به، صعوداً أو نزولاً، خصوصاً بعد التجارب التي مرّ بها الصرّافون خلال ثلاث سنوات من عدم الاستقرار المالي في السوق، وسمحت لهم بتكوين خبرة جماعية في تجنّب مخاطر الخسارة، أضافها كل صرّاف إلى ما اكتسبه من خبرة شخصية."
هذا ويعرف كلّ صرّاف مسبقاً حجم السوق الذي يتعاطى معه يومياً، وعليه، لا يشتري هؤلاء إلا الكمّيات التي ضمنوا تصريفها. وانطلاقاً من هنا راجت بين الصرّافين عبارة "ثبّت لي السعر".
تلك العبارة تعني أن الصرّاف الذي اشترى افتراضيا من زميله الأصغر كميّة الدولارات بسعر محدّد، يكون ملزماً به، سواء انخفض سعر الصرف أم ارتفع. في المقابل فإنّ من اشترى هذه الدولارات يكون أيضاً قد حدّد مسبقاً سعر بيعه للجهة التي اشتراها لمصلحتها، والتي غالباً ما تكون إمّا مؤسسة صناعية أو تجارية مستوردة، أو إحدى الشركات المستوردة للنفط، أو حتى صاحب محطة بنزين، وأحياناً أيضاً يكون الشاري مصرف لبنان.
هذه الطريقة تجعل اللّعب بالدولار مضموناً، سواء أكان الصرّاف صغيراً أم كبيراً. فيما الخاسر في حال طرأ أي انخفاض كبير على سعر الصرف، هو الجهة التي اشترت الدولار بالسعر الأعلى، وبالتالي المستهلك الذي سيشتري السلعة بسعر الدولار الأعلى.
وعليه في الانخفاضات المفاجئة التي تطرأ على سعر الدولار، لا يتأثر سوى الأفراد أو صغار التجّار، ونادراً كبارهم الذين يقامرون بالدولارات معوّلين على ارتفاع سعره بالليرة اللبنانية لتحقيق أرباح إضافية في مشترياتهم.
أما بالنسبة إلى الصرّافين فالمعادلة بالنسبة إليهم هي WIN – WIN، أو «ربح- ربح» على طول السكّة. لأنّهم في الأساس لا يخزّنون الدولارات التي يشترونها، بل يسعون لتصريفها بسرعة، وبالتالي لا يخسر من بينهم سوى من يطمع بمراكمة الأرباح.
الجدير بالذكر أنه يُشترط لصحّة صرف العملة التقابض في مجلس العقد، ولا يصحّ الصرف دون تقابض، أو بالقبض من طرفٍ واحد، وذلك مِن الربا.
خبرة متراكمة... صرافو لبنان تعلموا درسهم:
لا شك أنّ التعاميم المتكرّرة التي أصدرها مصرف لبنان ساعدت الصرّافين على تكوين خبرة جيّدة لتجنّب الخسارات، وذلك بعدما استوعب القسم الأكبر منهم محاولة مصرف لبنان امتصاص الليرة اللبنانية من سوق التداول. ولهذا يحرص الصرّافون على المحافظة على رساميلهم بالليرة اللبنانية وليس بالدولار.
بذلك تكون هذه الليرة متوفرة عند الانخفاض المفاجئ لسعر الدولار، ليشتروه على سعره المنخفض، ثمّ يعودوا ليبيعوه بسعره الأعلى.
وهكذا تتكرّر العمليات بوتيرتها اليومية، ويبقى لعب الصرّافين بأموال الناس التي يكسبون أرباحها من خلال عمليات البيع والشراء، فيما هم حريصون على عدم المسّ برساميلهم.
علماً أنّ ثمّة عاملاً آخر يساهم في التخفيض من مخاطر الخسارات التي قد يتعرّض لها الصرّافون في حال التبدّل السريع بسعر الدولار الأسود، ويتمثّل في شبكة التعاون التي أنشأها الصرّافون فيما بينهم، عبر مجموعات "واتساب" أو غيرها، وتسمح بالتنسيق بين المنتمين إليها لمعرفة حركة السوق، مبيعاً وشراء، وبالتالي تسمح بتبادلهم النصائح عبرها، وتعاونهم لتلبية حاجات السوق وإتمام عملياتها بالسرعة المطلوبة، ولكن دائماً مع ترك هامش تحرّك حرّ لكل صرّاف، يؤمن له أرباحاً إضافية.