ما هو سبب جنون الدولار في سوريا وإلى أين يتجه؟

هوت الليرة السورية، عند إغلاق يوم أمسٍ الثلاثاء 27 كانون الأول، إلى مستويات تاريخية، إذ وصل سعر صرف الدولار في العاصمة دمشق إلى عتبة الـ 7000 ليرة للدولار الأمريكي الواحد. ثم تجاوز في تداولات اليوم مستويات 7000 ليرة سورية لأول مرة في تاريخ التداولات.

ويأتي هذا التدهور الحاد بقيمة العملة السورية، بالتزامن مع ارتفاع جنوني بالأسعار وأزمة محروقات خانقة تعصف بكافة مدن سوريا الواقعة تحت سيطرة الحكومة.

على إثر ذلك، تسيطر على الأسواق والناس حالة من الذعر، ويسأل الجميع أسئلة من قبيل: "ماذا يحدث وإلى أين نحن متجهون؟" أو "ما تفسير الانهيار الكبير في قيمة الليرة ولماذا ما زالت الحكومة صامتة على هذه الفاجعة؟".

فيما يلي سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة...

هل أفلست خزائن الحكومة ونفدت جميع أوراقها؟

حتى الآن، لم تكشف الحكومة عن أي حلول قريبة للأزمات التي اشتدت تداعياتها في كانون الأول الحالي، وفي حين يتوقع الخبراء ظروفا معيشية أسوأ خلال المرحلة المقبلة، استبعدوا فرضية "إفلاس الحكومة بالكامل". 

في هذا الصدد، يستبعد دكتور في العلاقات الاقتصادية والدولية "عبد المنعم الحلبي"، وهو موظف سابق في مصرف سوريا المركزي، أن يصل الأمر في البلاد وعلى المدى المنظور إلى "حد الإفلاس". 

لكنه يوضح في حديث لموقع "الحرة" أن "المشكلة بالنسبة لموظفي القطاع العام والمواطنين تبقى قائمة، باستمرار انهيار القيمة الحقيقية للأجور نتيجة التضخم الجامح والمزدوج، الذي ينتج عن تضخم عالمي بسبب الطاقة وانحدار القيمة الشرائية لليرة". 

ويؤكد أن "الرواتب والأجور ستبقى متدفقة من القطاع العام، والإحصائيات المتوفرة عن حجم الاحتياطيات النقدية في البنك المركزي مطمئنة تماما". 

ويستدرك قائلًا: "الإشكال الحقيقي الآن بالنسبة لهذه المؤسسات هو توفر المشتقات النفطية بتكاليف اقتصادية متناسبة مع الخدمات التي تؤديها تلك المؤسسات". 

من جهته، يعتبر الصحفي السوري الاستقصائي "مختار الإبراهيم"، أن الحكومة قادرة على طبع عملات ورقية جديدة لكن لا يوجد ما يقابلها من القطع الأجنبي في المركزي، وهذا يزيد الفقر والتضخم وينعكس على القدرة الشرائية.

إذا لم تفلس الحكومة كيف يمكن تفسير تدهور الليرة المخيف؟

اعتبر "الحلبي"، أن "أحداث إيران مؤثر مباشر في ظل وقف التسهيلات الائتمانية، وربما يكون لتكدس السفن والناقلات النفطية الروسية في البوسفور دور في تأخير الإمدادات الروسية". 

ومن جانب آخر، يرى دكتور العلاقات الاقتصادية أن الأمر مجرد تكرار لتطبيق سياسة حافة الهاوية التي عكفت الحكومة على استخدامها لتخفيض تكاليف وأعباء الشتاء، واستجداء الدعم الخارجي، وسرعان ما ستأتي قرارات جاهزة مسبقا بإقالة الحكومة ومنح زيادة اسمية للرواتب... وما إلى ذلك.

هذا ويفسر المحلل الاقتصادي الدكتور "يحيى السيد عمر"، أن أهم الأسباب الخارجية لانهيار الليرة هي فرض الأردن قيودًا على عبور الشاحنات السورية إلى دول الخليج، وامتناع الأردن عن استيراد الخضار والفواكه من سوريا، وبالتالي حدث تراجع حاد في دخل الحكومة من الدولار، يضاف إلى ذلك البيروقراطية الحادة التي تُمارس من قبل مؤسسات الحكومة لا سيما على المعابر الحدودية، ما أدى إلى تراجع فاعلية التصدير.

بينما يرى الصحفي "الإبراهيم"، أنه فيما يتعلق بـ "المصرف المركزي" فهو قادر على الطباعة في روسيا في الوقت الحالي، لكن هذه العملية تتم "دون غطاء رسمي وتخلق تضخم، وهي عملية أشبه بتزوير العملة، لا حل دائم ولا حتى إسعافي، بل تعميق لمشاكل الاقتصاد السوري".

هل يمكن أن تستمر الليرة السورية بالتدهور إلى حد الانهيار؟

يرى الاقتصادي السوري "أسامة قاضي"، أن بقاء الليرة السورية على قيد التداول ومنعها من الانهيار هو قرار دولي لحماية الحكومة؛ لأن محددات وعوامل بقاء الليرة صالحة للتداول جميعها زالت، خاصة بالأسواق الخارجية، ولا يوجد برأيه ما يمنح الأمان لأي مدخر أو متعامل بالعملة السورية.

ويضيف "القاضي"، لصحيفة "العربي الجديد"، أن الليرة مرشحة لمزيد من التهاوي، ولا يستبعد لجوء الحكومة للتمويل بالعجز، عبر طباعة ورق نقدي جديد وطرح فئة 10 آلاف ليرة.

ويتحدث الاقتصادي "علي الشامي" من دمشق، عن حالة شلل الاقتصاد وزيادة الرقابة على أسواق وشركات الصرافة، بمنطقتي المرجة والحريقة وسط العاصمة السورية دمشق، معتبراً أن "زيادة الطلب على الدولار من التجار ومكتنزي العملة السورية، أهم أسباب تهاوي سعر الليرة، حيث أن التجار ملزمون بتأمين ثمن مستورداتهم بالدولار والمركزي لا يمولهم".

لكن، وحتى الآن، لا يمكن لأحد أن يستبعد أن تقوم الحكومة بـ "سيناريو الصدمة" عبر ضخ كميات كبيرة من القطع الأجنبي في الأسواق خلال فترة قصيرة. ويرى الخبراء أن ذلك لو حدث، لن يزيد من موثوقية الليرة حتى لو زاد من سعرها، وسيتسبب بأن تكون الصدمة القادمة أشد حدةً كما يحدث كل مرة.