زيادة الأجور في لبنان تتبخر سريعًا مع ارتفاع الأسعار... البعض تمنى لو أنها لم تكن

يرزح الاقتصاد اللبناني تحت أنياب التضخم المفرط... ويدور البلد في حلقة من الارتفاعات اليومية في أسعار السلع والخدمات، التي تقابَل بزيادات على الرواتب والأجور، ليعقبها مباشرة موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، بشكل أكثر حدة.

وهكذا يحذر الخبراء أن الإجراءات الواهية التي تبقى أعجز من أن تؤمن أبسط المتطلبات الحياتية، تهدد بجذب الاقتصاد إلى وسط الدوامة، بحيث تتحول الليرة إلى أوراق ملوّنة لا قيمة فعلية لها.

زيادة الأجور في لبنان... كلام فارغ!

في الوقت الذي تجاوز فيه سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية 46 ألف ليرة، تتحضر لجنة المؤشر إلى إقرار زيادة جديدة على أجور مستخدمي القطاع الخاص.

 ومن المتوقع أن يُرفَع أساس الأجر من 2.6 مليون ليرة إلى 4.5 ملايين ليرة. على أن تعطى هذه الزيادة كمساعدة من خارج الحد الأدنى الرسمي للأجور، الذي ما زال محتسباً على أساس 675 ألف ليرة.

وعلى هذا الأساس تكون الأجور في القطاع الخاص قد خضعت منذ بدء الانهيار إلى 3 زيادات. الأولى بقيمة مليون و325 ألف ليرة، أعطيت في نيسان 2022. الثانية بقيمة 600 ألف ليرة، أعطيت في حزيران 2022. والثالثة على الطريق.

واللافت أنه بالتزامن مع الزيادة الثانية على الأجور في شهر حزيران الفائت كان سعر صرف الدولار مقابل الليرة يعادل 28 ألف ليرة. ما يعني أن الحد الأدنى بقيمة 2.6 مليون ليرة كان يساوي 92 دولاراً. إلا أنه بعد أقل من 6 أشهر ارتفع سعر الصرف إلى 46 ألف ليرة، وأصبح الحصول على نفس الكمية من الدولارات يتطلب دفع ما يعادل 4.3 ملايين ليرة.

هذا المنطق الذي قد يكون اعتُمِد لرفع أساس الأجر إلى 4.5 ملايين ليرة، لن يجدي نفعاً. فلن تطول الأيام حتى يأكل التضخم الناجم عن انهيار الليرة، بشقيه العادي والاستباقي، هذه الزيادات، ونضطر إلى إضافة زيادة مرة جديد على الأجور، كما يقول عضو لجنة المؤشر د. "أنيس بودياب"، لصحيفة "نداء الوطن".

وصحيح أن الزيادات بالليرة على الرواتب والأجور في القطاع الخاص لا تؤثر على زيادة الأسعار، خصوصاً في الاقتصادات الطبيعية، إلا أن غياب المؤسسات المالية وتعطل المصارف، يؤديان في المقابل إلى توسع الاقتصاد النقدي.

وبالتالي فإن "فائض الأرباح الذي يتحول إلى عملة أجنبية لا يحتفظ بها لتطوير الاقتصاد وزيادة الإقراض للاستثمار، إنما فقط للاستهلاك واستمرار الأمور على ما هي عليه"، بحسب "بودياب".

لذا فتكمن المشكلة في هذه الزيادة بإعادة توزيع الربح التي تقتص فعلياً من الطبقات الأكثر هشاشة. ذلك أن التضخم ضريبة تنازلية الطابع تدفعها الفئات الأفقر والأكثر هشاشة، والتي تملك متوسط مداخيل محدودة غير مرتبطة بإنتاجية العمل.