مصارف لبنان تمعن في إهانة الناس... طوابير طويلة ومواعيد بعيدة
جولة سريعة في طرقات بيروت ومختلف المناطق اللبنانية، ستكفيك لتدرك مدى العذاب والإهانة التي يتعرض لها اللبنانيون من المصارف التي تحتجز أموالهم. فمشهد الطوابير صباح كل يوم أمام المصارف يختصر هذا الواقع، وذلك بعدما بات إجراء أي عملية في المصرف يحتاج إلى موعد مسبق، قد يؤجل لأسابيع.
ويعاني المواطن اللبناني في البنوك، خصوصًا إذا كانت معاملته ترتبط بما بات يعرف في لبنان بـ "حساب صيرفة" الذي يسمح، وفق أحد تعاميم المصرف المركزي، بشراء الدولارات وفق سعر صرف أدنى من السعر في السوق السوداء.
وكان قد أعلن المركزي اللبناني في تعاميم خاصة عن دفع رواتب القطاع العام بالدولار الأميركي، كما السماح بسحب 400 دولار لأصحاب الحسابات المصرفية.
معاناة أهالي لبنان مع المصارف... إمعانٌ في الذل:
تطرقت صحيفة "الشرق الأوسط" اللبنانية، في تقرير حديث، إلى معاناة عدد من المودعين من الإجراءات المرتبطة بسحب أموالهم وإيداعها عبر آلة السحب الموضوعة أمام المصارف بحيث إنها تكون معطّلة في معظم الأحيان أو مقفلة.
وهكذا في كل مرة يتطلب الأمر انتظار المودع لساعات لإنجاز العملية نتيجة الزحمة اليومية التي تشهدها المصارف التي يتخذ كل منها إجراءات خاصة، لكنها اتفقت في معظمها على وضع أبواب حديدية محكمة يتم فتحها فقط لإدخال كل مودع على حدة.
وتختلف عملية "صيرفة" بين مصرف وآخر؛ إذ في حين اتخذ بعضها قراراً بإيداع المبلغ بالليرة اللبنانية وسحبه عبر الآليات الإلكترونية، لا يزال القسم الأكبر يفرض الحصول على موعد مسبق لإنجاز العملية.
ويبقى الانتظار سيد الموقف في الحالتين، حيث يأتي المودعون إلى البنك حاملين أكياساً مليئة بالأموال بالليرة اللبنانية لاستبدالها بالدولار الأميركي.
ويروي أحد العسكريين المتقاعدين الذين ينطبق عليهم تعميم المصرف المركزي للصحيفة معاناته الشهرية مع "صيرفة" التي تسمح له بقبض راتبه بالدولار الأميركي، بحيث يتمكّن من الحصول على ربح مادي يبلغ نحو مئة دولار أميركي.
ويقول: "بات راتبي الشهري يبلغ نحو 50 دولاراً، ومع تعميم صيرفة أستطيع الاستفادة بزيادة نحو مئة دولار، لكن هذه الزيادة هي ذل بحد ذاته نتيجة انتظارنا ساعات طويلة، قد تنتهي من دون أن يصل دوري، وهو ما حصل معي أمس، حيث ذهبت إلى المصرف عند الساعة السابعة صباحاً وكان قد سبقني أيضاً عدد من المواطنين، لكن تم إبلاغنا بأنه فتحت المنصة لنصف ساعة فقط ومن ثم أقفلت، وبالتالي لم يستفد من المنتظرين في الخارج والحاصلين على مواعيد إلا عدد قليل".
ويتّهم العسكري المتقاعد المصارف والمسؤولين فيها بتوزيع ما تعرف بـ "كوتا صيرفة" المحددة من قبل مصرف لبنان لكل مصرف، على المحسوبين عليهم ومعارفهم وحرمان الفقراء منها.
سياسة متخبطة:
في معرض حديثه عن هذه الإجراءات وتداعياتها، يشرح الخبير الاقتصادي "باتريك مارديني"، قائلاً للصحيفة، إن "سياسة المصرف المركزي متخبطة ومليئة بالتناقضات؛ إذ يقرر ضخ كميات كبيرة من الليرة اللبنانية في السوق ما يؤدي إلى التضخم، أي ارتفاع سعر صرف الدولار وانهيار الليرة، ليعود ويقرر سحب الليرة عن طريق تعاميم، مثل صيرفة بحيث يخسر في المقابل ما تبقى من أموال المودعين.
ويضيف: "من هنا فإن هذه الحلقة الجهنمية تنعكس سلباً على أصحاب الودائع العالقة بالمصارف وحولت من جهة أخرى، كل الشعب اللبناني لمضاربين يمضون أيامهم أمام المصرف بدلاً من أن يركزوا على الأعمال الإنتاجية".
وعما إذا كان هذا الواقع سيؤدي لاحقاً إلى عودة الاعتداءات على المصارف من قبل المودعين المطالبين بحقوقهم، يقول "مارديني" إن "الاعتداءات على المصارف ليست حلاً، إذا اتُخذ قرار بإقفال المصارف من يستطيع اليوم قبض بعض المال يصبح عاجزاً عن ذلك".
وفي حين يشدد "مارديني" على أن لتعدد سعر الصرف انعكاسات سلبية كبيرة على الاقتصاد، يؤكد على أن الحل عند الدولة التي يجب أن تقوم بدورها ومسؤولياتها وتنفذ الإصلاحات التي يفترض أن تقوم بها لتحسن من نسبة استرداد ودائع المودعين وتعيد هيكلة القطاع المصرفي، والأهم أن تعمل على سياسة نقدية صحيحة لا تؤذي المودعين.