أزمة العقارات تستعر في أوروبا والجالية العربية هي الحلقة الأضعف
تعاني الدول الأوروبية مؤخرًا من "اعتلال" في سوق العقارات، نتج عنه توسيع الفجوة والشرخ الاجتماعي والاقتصادي بين أصحاب العقارات والمستأجرين.
وفي ظل تموضع الجالية العربية في أوروبا ضمن ترتيبات معيشية "غير مستقرة"، وانحصار عمل غالبية العرب في وظائف مؤقتة منخفضة الأجر، زُج المهاجرون العرب في فوهة المدفع، فباتت مسألة حصولهم على سكن "حلماً صعب المنال".
وشهدت أسعار العقارات في أوروبا ارتفاعاً بوتيرة أسرع من التضخم، وهو اتجاه لم يكن ملحوظاً منذ عقدين على الأقل. وبحسب "يوروستات" قفزت الأسعار في منطقة اليورو لأكثر من 30% العام الأخير، ما زاد من الضغط المالي على الكثيرين.
هذه الأزمة التي اعتبرها صندوق النقد الدولي اتجاهاً مقلقاً لعدم المساواة، رسمت خطوط تماسها مع المهاجرين العرب في أوروبا الذين يعانون من هشاشة اقتصادية مرهونة بوضعهم غير المستقر بعد فترة المكوث في المخيمات وحداثة عهد حياتهم الجديدة كمواطنين في أوروبا.
سوق عقارات ألمانيا مثال جدير بالذكر:
استفادت بعض الشركات العقارية في ألمانيا، من ارتفاع أسعار العقارات فيما تكبدت أخرى خسائر كبيرة، في الوقت الذي يعاني فيه الكثيرون من الإيجارات المرتفعة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض أسعار العقار.
في هذا الصدد، قال "حيدر النواقيل" (29 عاماً): "المؤشرات كلها تعكس الواقع المتردي الذي يعيشه سوق الإسكان في ألمانيا، ابتداءً من واقع أسهم شركات العقارات ووصولاً إلى مشقة البحث عن المنزل من قبل الألمان، أما اللاجئون العرب فبعضهم يبحث عن منزل منذ حوالي عام".
وأضاف "النواقيل"، وهو عراقي يعمل نجاراً في برلين، في حديثه لـ "إرم نيوز": "قضيت سنتين وأنا أحاول البحث عن عقار في برلين دون جدوى، ولم أجد عقاراً إلا عندما استعنت بسمسار عربي، نتيجة العنصرية وصعوبة تلبية طلب العربي أو الألماني من أصول عربية".
وأردف: "أما اليوم، فتضاعفت المشكلة مع ارتفاع مستويات التضخم وارتفاع أسعار التدفئة والمياه في المنازل، وفي ظل انخفاض الأجور، خاصة بالنسبة لنا نحن العرب، حيث لا نزال نصقل خبراتنا اللغوية والعملية في أوروبا".
ويعاني العرب بحسب "النواقيل" من تأمين عقار للإيجار دون الاستعانة بسمسار عقارات من أصول عربية، لأن الألمان كما غيرهم من الأوروبيين "لا يحبذون تأجير العرب والأجانب بشكل عام".
وتابع: "هذا ما يحملنا أعباء مالية إضافية، فبالنسبة إلى تجربتي مع السمسار، دفعت عمولة مقدارها 3500 يورو له، عدا عن قيمة استئجار العقار وسعر التأمين، وعمولة المكتب العقاري".
وختم الشاب حديثه: "يعمل هؤلاء السماسرة على تأمين منازل مناسبة للعرب الراغبين بالاستئجار مقابل الحصول على عمولة، مستغلين علاقاتهم مع مكاتب وشركات الإسكان".
وبينت دراسة أجراها التلفزيون الألماني ومجلة دير شبيغل، أن العرب يعانون من صعوبات تأمين العقارات "لأسباب عنصرية".
وأرسل القائمون على الدراسة 20 ألف طلب تأجير، بعضها بأسماء غير ألمانية، وأخرى متضمنة أخطاء لغوية للدلالة على أن أصحابها ليسوا من أصول ألمانية.
وأظهرت نتائج الدراسة أن أعلى نسبة رفض للطلبات كانت من نصيب العرب بمعدل 26%، تلاها الأتراك بنسبة 24 %.
بريطانيا ليست أفضل حالًا:
بالانتقال إلى البريطانيين الذين يشعر نحو نصف المستأجرين منهم بالقلق من عدم قدرتهم على تحمل تكاليف الإيجار لمنازلهم، تستعر أزمة السكن في عاصمتهم لندن والمدن الأخرى بشكل غير مسبوق متأثرة بأزمة الطاقة وضربات التضخم.
وبحسب صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، فإن 49% من المستأجرين قلقون من عدم تمكنهم من دفع الإيجار في عام 2023، فيما رفع 48% من الملاك إيجارات ممتلكاتهم، بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وأقساط الرهن العقاري.
وارتفع متوسط الإيجار في بريطانيا مؤخراً إلى أكثر من 1200 جنيه إسترليني وهذا رقم تشهده البلاد لأول مرة على الإطلاق، بمستوى ارتفاع يساوي 7.1% أعلى مما كان عليه قبل عام.
وتساءل "فارس طعمة" (40 عاماً) في تصريح لـ"إرم نيوز": "هل من الممكن أن أنفق قيمة تساوي 65% على إيجار منزلي، وما تبقى من الراتب غير كاف للطعام والمواصلات؟".
وأضاف "طعمة" وهو بريطاني من أصول سورية: "يجب على الحكومة أن تبذل كل الجهود للتحكم في أسعار الإيجارات في بريطانيا، غير سياسة صرف المعونات الشهرية التي ترفع الأسعار معها".
وتابع: الأقساط الشهرية لقروض الرهون العقارية ارتفعت بنسبة 30% تقريباً، فمنذ بداية أزمة التضخم، تلقيت إشعاراً من المصرف بأن القسط الشهري ارتفع من 1150 جنيهاً إسترلينيا إلى حوالي 1550، وكل يوم أتوقع أن أتلقى إشعاراً جديداً يخطرني بارتفاع جديد".
معاناة العرب في هولندا مع العقارات:
أما في هولندا، فوصلت أزمة السكن إلى حد خفضت فيه معدلات الطلاق بحسب دراسة هولندية صدرت مؤخراً أعدها محامي الطلاق "دوريت شرودر" الذي يخدم مجموعة واسعة من العملاء.
وأكدت الدراسة، أن نسبة الانفصال شهدت انخفاضاً في هولندا، وبعضها حصل مع بقاء المتخاصمين في منزل واحد، لأن العثور على منزل جديد يسكنه المالك أو مؤجر بأسعار معقولة "ضرب من الخيال".
وأدت زيادة تكاليف الطاقة وارتفاع أسعار الفائدة على الرهن العقاري إلى "أزمة سكن" في هولندا، وأرخت هذه الأزمة بظلالها على العرب الذين باتوا يعانون من عجز الحكومة الهولندية عن تأمين مساكن لهم بعد قبول اللجوء، أو تأخرها لفترات طويلة.
في هذا الصدد، يقول "ريان الكدواني" (34 عاماً): "يعاني كل اللاجئين في العامين الأخيرين من مسألة تأثر تخصيص المساكن لمن انتهوا من فترة مكوثهم في المخيمات، وذلك بسبب العبء الكبير على الحكومة الهولندية بسبب اللاجئين".
وأضاف "الكدواني" وهو فلسطيني وصل إلى هولندا منذ عامين: "أسكن مع صديقي وعائلته بسبب استحالة تأمين سكن في العاصمة أمستردام، فكيف بعد أزمة التضخم والطاقة، لقد أصبحت الأسعار تحتاج لشخص صاحب رأس مال حتى يتمكن من استئجار عقار".
وأردف الشاب: "البقاء في المخيم لفترة تتجاوز العام، انتحار، فلا يمكنك تعلم اللغة أو العمل، لذلك خرجت لأواجه مصير استحالة إيجاد مسكن في هولندا، والدولة لا نتلقى منها إلا الوعود".
وختم الكدواني حديثه: "الأسعار تبدأ من 500 يورو لقاء استوديو صغير على أطراف العاصمة، وهذا المبلغ لا يمكن للاجئ أن يتحمله حتى إذا وجد عملاً في السوق السوداء".