المكتب السري في سوريا يستنفر ضد التجار... مطالبة بإتاوات ضخمة والرفض ليس خيارًا

وردت مؤخرًا شكاوى عديدة من التجار في مختلف المحافظات السورية – وبالأخص في حلب ودمشق – بخصوص دوريات تحمل اسم "المكتب السري" مدعومة بعناصر من أمن الدولة، تقوم بمداهمة محال التجار ومطالبتهم بإتاوات ضخمة بعد تلفيق تهم عشوائية مثل المتاجرة بالقطع الأجنبي أو حيازة البضائع المهربة أو الاحتكار.

وتوضح مصادر "الليرة اليوم"، أنه أمام عناصر "المكتب السري" لا تنفع الفواتير النظامية الموقعة أو السجلات التجارية أو التراخيص أو أي إثباتات أخرى، فلوجودهم سبب واحد: الحصول على المال والمال فقط؛ وإذا حاول التاجر المماطلة وتعسير مهمتهم سيدفع ثمن ذلك غاليًا، فهم ليسوا كدوريات التموين أو عناصر الأمن العادية.

إضافة إلى ذلك، فإن المبالغ التي تطالب بها هذه الدوريات ليست غرامات أو ضرائب عادية، بل هي إتاوات ضخمة تبدأ أحيانًا من 50 مليون ليرة، وتزيد أو تنقص على حسب حجم العمل التجاري المستهدف.

آلية عمل المكتب السري:

تعمل عناصر "المكتب السري" بطريقة مافيوية بامتياز، حيث يقومون بالتحري جيدًا قبل الخروج لاقتناص أي "صيدة" كما يسمونها، وعلى أساس تحرياتهم يتم تحديد المبلغ الذي ستتم المطالبة فيه كإتاوة، وماهية التهديدات التي يجب تنفيذها ضد هذا التاجر.

يأتي عناصر المكتب السري بدعم من عناصر أمن الدولة أو غيرهم، ويلعب أحد العناصر في المداهمة دور الشخص الذي يهتم بمصلحة التاجر حتى يجعله أكثر ليونةً أمامهم ويسرع تقبله للوضع؛ فإذا حاول التاجر الرفض – وهو المتوقع بدايةً – يقوم العنصر المعني بهذه المهمة بأخذ التاجر جانبًا ونصحه ألا يطيل الأمر بلا فائدة قائلًا: "هدول من فوق لا تعذب حالك معهم أحسنلك، لا أنا ولا أنت منحسن عليهم".

وإذا عاند التاجر وأصر على الرفض تكون النتيجة مصادرة كافة بضاعته، أو أحيانًا اعتقاله والذهاب به إلى "ما وراء الغيم" كما يقول السوريون.

وضع لم يعد يحتمل بعد الآن:

عبّر التجار عن امتعاضهم مما يحصل واصفين الوضع بأنه فاق طاقتهم ولم يعد يحتمل، ففي محافظة حلب على سبيل المثال، تم التقدم بشكاية جماعية إلى المحافظ ومحاولة التواصل مع أطراف واصلة، مؤكدين أنهم لا يمكن أن يعملوا إطلاقًا تحت هكذا ظروف.

وتنشط عناصر المكتب السري عمومًا مع تدهور الليرة وتردي وضع الخزينة الحكومية، وهذا ما يفسر زيادة نشاطهم مؤخرًا بعد تجاوز سعر صرف الدولار في سوريا مستويات 6000 ليرة للدولار الواحد.

تجارب لتجار حماة مع المكتب السري:

في وقت سابق من العالم الحالي، أكدت مصادر محلية في أسواق مدينة حماة، لصحيفة "حماة اليوم"، بأن المكتب السري بات يلاحق تجار حماة بشكل يومي، بعد أن كانت جولاته شبه شهرية على المدينة، حيث بات يشكل هاجساً لجميع التجار في المدينة، ما أدى إلى عزوف الكثير من التجار والصناعيين والحرفيين عن العمل، بعد مطالبة عناصر المكتب السري بـ 60% من الأرباح على الأقل.

في هذا الصدد، يقول "أبوهمام" التاجر في مدينة حماة بأنه تعرض لمداهمة أمنية على محله التجاري في حماة بشكل مفاجئ، بسيارات جبلية ذات لوحات باسم “الجيش”، حيث تم تطويق المحل بعناصر بلباس أسود اللون علّقت على أكتافهم شعارات “أمن الجمارك”.

بعدها تم اقتحام المحل من قبل عنصرين من الدورية الأمنية، فاعتقد "أبو همام" بأنها دورية أمنية كالدوريات المعتادة يريدون خوّاتهم الشهرية فقط لا غير، ليتفاجأ بأنهم عرّفوا عن أنفسهم بأنهم من دوريات المكتب السري، مع عناصر مرافقة من فرع أمن الدولة في حماة بقيت خارج المحل.

وتم اتهامه حينها بالمتاجرة بالبضائع المهربة وغير المجمركة، بالإضافة إلى التعامل بالقطع الأجنبي، وبعد تفتيش كامل المحل والمستودع لم يجدوا شيئًا، ولكنهم أصرّوا على الاتهام الموجّه إليه، وتم الاتصال بمدير مكتبهم في دمشق بشكل فوري، من ثم أخبروه بأنه سيتم اعتقاله فوراً وتغريمه بمبالغ مالية كبيرة، وتعرضه لمحكمة اقتصادية، أو يدفع مبلغ عشرة ملايين ليرة سورية بشكل مباشر لطي القضية والتقرير المقيّد باسمه.

وتابع بأنه اضطر إلى تأمين مبلغ الإتاوة ودفعها لهم بالإضافة إلى دفع مليوني ليرة سورية للعناصر والمسؤول عنهم، بالإضافة إلى مبلغ مئتي ألف ليرة لعناصر دورية فرع أمن الدولة المرافقة لهم، من أجل ضمان عدم اعتقاله وعدم عودتهم إليه مرة أخرى.