هل يكون ذهب لبنان هو كبش الفداء والورقة الأخيرة لإرضاء صندوق النقد الدولي؟

يتخوّف الأهالي في لبنان من بيع أو رهن احتياطي مصرف لبنان من الذهب، بعدما تضاءل حجم احتياطي المركزي من العملات الأجنبية إلى ما دون الـ 10 مليارات دولار أميركي في ظل الأزمة الاقتصادية والنقدية التي تعيشها البلاد منذ أواخر العام 2019.

وقد برزت هذه التخوفات، وفقًا لتقرير حديث نشرته جريدة "الرأي" اللبنانية، بعدما أعلن مصرف لبنان المركزي إنجاز عملية التدقيق في موجوداته من الذهب، والتي أجرتْها شركة تدقيق عالمية تم اختيارها وتكليفها من مفوض المراقبة الخارجي للمصرف بالتنسيق والتوافق مع صندوق النقد الدولي.

وتَبَيَّنَ بعد استكمال عملية التدقيق، أن موجودات خزنة مصرف لبنان من الذهب مطابقة تماماً، كمّاً ونوعاً، للقيود المسجَّلة في السجلات المحاسبية لمصرف لبنان.

وجاءت هذه الخطوة، بناءً على طلب صندوق النقد الدولي وتعزيزاً للشفافية في موجودات مصرف لبنان، وفق ما أتى في نص البيان، الذي ترافق مع انتشار صورة لحاكم مصرف لبنان "رياض سلامة" على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يقف داخل خزنة المركزي إلى جانب سبائك الذهب.

هذا الأمر طرح تساؤلات كثيرة لدى اللبنانيين حول الهدف من هذا الإعلان ومصير الذهب في ظل انعدام ثقة الناس بالسلطة النقدية والسياسية في البلاد.

وذهب كثيرون للتشكيك في توقيت حصول هذا التدقيق باعتبار أن المركزي لم يتعاون على مدى سنوات الانهيار النقدي مع كثير من الطلبات لإجرائه.

ما الذي تعنيه هذه الخطوة وما علاقة ذهب لبنان؟

يقول الخبير الاقتصادي ورئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق "باتريك مارديني" للجريدة، إن “هذه الخطوة تذهب باتجاه تنفيذ أحد الشروط المسبقة المطلوبة من صندوق النقد الدولي من أجل توقيع الاتفاق النهائي مع لبنان”.

ويشترط الصندوق على لبنان إجراء إصلاحات عدّة لقاء منحه قروضاً مالية بما بين 3 و5 مليارات دولار، ومنها الكابيتال كونترول وإلغاء السرية المصرفية وإقرار الموازنة العامة، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي.

ولكن السلطة اللبنانية تسير ببطء شديد في تجاه تنفيذ هذه الخطوات وتتجاهل أو ترسل إشارات سلبية في بعض الإصلاحات، كالقضائية مثلاً.

شكوك وتساؤلات:

قد تعني هذه الخطوة أن لبنان أنجز أحد الشروط المطلوبة منه، وتالياً هو يسعى لتنفيذها واحدة تلو الأخرى، على أمل التوصل إلى اتفاق. لكنها أيضاً أتت بعد تشكيك وتساؤلات كثيرة حول وجود هذا الذهب أو عدمه، فتمكّن المركزي من إثبات أنه حقاً موجود، حسبما يقول "مارديني".

ويقول المحامي "علي عباس"، عضو المرصد الشعبي لمحاربة الفساد، وهي مجموعة حقوقية سياسية تتعاطى الشأن العام، لـ “الراي”: “بالنسبة إلينا لا ثقة بحاكم مصرف لبنان وبالمنظومة السياسية القائمة ولا نعتبر ان ما يقولونه ذات صدقية”.

ويتساءل: “ماذا بالنسبة لكمية الذهب الموجودة في نيويورك؟ هل يمكن ضمّها للذهب الموجود في لبنان، وهل يمكن التصرف بها، أو أن تكون ضمانة فعلية للدولة اللبنانية؟”.

ويضيف: “الخوف الأكبر أن يتم تقديم هذا الذهب كضمانةٍ من أجل الحصول على القروض الدولية، وتالياً المساس بالذهب، بعدما تمّت سرقة المال العام وأموال المودعين. ولذا يهمنا أن يبقى الذهب بمنأى عن تصرُّف أو إجراء من الطبقة السياسية الموجودة”.

ويختم: “ما نطلبه كمواطنين أن تكون هناك جهة محايدة تقوم باحتساب الذهب، في لبنان وخارجه، واسترجاعه من الخارج ووضعه في مكان آمن، لأنه الضمانة الوحيدة للشعب اللبناني الّذي قد توصله المنظومة الحاكمة إلى حال المجاعة في حال بقي تعاطي المسؤولين على ما هو”.

هل مخاوف الناس محقة بخصوص ذهب لبنان؟

يرى "مارديني" أن السلطة الراهنة أمام خيارين: إما هدر الذهب كما هدرت الأموال الأخرى أو استعماله في شكل سليم لتأمين حماية العملة اللبنانية والحفاظ على قيمتها.

ويضيف: “مخاوف الناس محقة طبعاً. إذ كان احتياطي لبنان من العملات الأجنبية في بداية الأزمة الاقتصادية بين 30 و35 مليار دولار، فيما لدى لبنان أقل من عشرة مليارات راهناً. وتالياً فرّط لبنان خلال ثلاث سنوات بأكثر من 20 مليار دولار وفي شكل خاطئ، ومَن فعل هذا الأمر يمكن أن يفعله مجدداً”.

وتملك الدولة اللبنانية نحو 286.5 طناً من الذهب، قسمٌ منه (يقدَّر بالثلث) مخزَّن في الولايات المتحدة منذ الحرب الأهلية (1975-1990) والباقي في مصرف لبنان. وبدأت المطالبات باسترجاعه من أميركا خوفاً من مصادرته في حال تخلف لبنان عن دفع ديونه الخارجية.

وتبلغ قيمة احتياطي الذهب للبنان، راهناً، نحو 15 مليار دولار أميركي ترتفع وتنخفض بحسب تبدل سعر الذهب.

ومع اشتداد الأزمة المالية والنقدية في البلاد، ينقسم اللبنانيون، ولا سيّما على المستوى الرسمي، بين مَن يدعو لضرورة استخدام الذهب، وآخرين يرفضون المساس به.

ويصعب استخدام الذهب بقرار من المركزي أو من الحكومة إذ يحتاج ذلك إلى إقرار قانون في مجلس النواب، ما يشكل حماية له ولو ضئيلة كما يرى كثيرون. ويشدد غالبية خبراء الاقتصاد على أن اللجوء إلى الذهب لا يكفي لحل الأزمة بل قد يؤدي إلى انهيار الليرة أكثر، فيزداد وضع الناس سوءاً.