ازدهار لافت لشركات الحوالات والصرافين في لبنان... صرافين 'دليفري' آخر ما حرر
بعد مضي ثلاثة أعوام على أزمة المصارف في لبنان باتت واضحًا للغاية مشهد التغيير في "النموذج" الاقتصادي الذي ارتكز منذ نشأة الدولة على متانة نظامه المصرفي وتمدده في الخارج. وإذا أردنا إيضاح هذا التغير يكفي ضرب المثل بأن حجم الودائع في البنوك قبل الأزمة قدر بنحو 178 مليار دولار، في حين لم يعد يتجاوز حالياً 97 ملياراً، مسجلاً تراجعاً تاريخياً يكاد يصل إلى 50 في المئة من الودائع.
وتشير الأرقام الصادرة عن مصرف لبنان إلى أنه تم إقفال نحو ربع فروع البنوك في البلاد، إذ أغلق قرابة 400 فرع على الأراضي اللبنانية وخارجها، وبات عدد فروع المصارف حالياً 902 منها 830 فرعاً تابعاً لـ46 بنكاً تجارياً لبنانياً وأجنبياً. وبحسب المعلومات فإن 32 فرعاً إضافياً ستتعرض للإقفال خلال الأشهر المقبلة.
بينما ينهار القطاع المصرفي في لبنان هناك من يملأ الفراغ:
يترافق الانهيار المستمر في القطاع المصرفي مع ازدهار واسع النطاق تشهده شركات تحويل الأموال ومكاتب الصرافة التي تفتتح مئات الفروع في مختلف المناطق اللبنانية، الأمر الذي يثير التساؤلات حول الخلفيات، إذ يعتبر بعض خبراء الاقتصاد أن هناك استهدافاً للقطاع المصرفي بغية تغيير دور لبنان المصرفي في المنطقة، في حين يعتبر آخرون أن تلك الشركات ليست سوى وجوه مقنعة لبعض البنوك الكبرى.
لكن المعلومات تشير إلى أن أحد أبرز أسباب الفورة المالية التي تشهدها تلك الشركات، نتجت من إقفال آلاف الحسابات المصرفية للمودعين خلال الأعوام الماضية، بحيث تفيد الأرقام بانخفاضها من 1.5 مليون حساب عام 2019 إلى نحو 700 ألف حساب بداية عام 2022، الأمر الذي دفع المواطنين إلى الاعتماد على تلك المؤسسات كبديل عن المصارف في معاملاتهم المالية، إضافة إلى غياب الثقة بهذه الأخيرة.
ويعكس افتتاح مئات المكاتب المالية ازدهار قطاع المؤسسات المالية غير المصرفية ومنها فروع مصرفية مقفلة استأجرتها تلك المؤسسات.
شبهات ومخاوف من أمور مريبة وراء هذا الازدهار:
تشير الأرقام إلى ارتفاع عدد فروع إحدى الشركات العاملة في لبنان منذ نحو 20 عاماً من 1200 فرع قبل الأزمة إلى 1300 تقريباً، في حين برزت شركة مالية جديدة بدأت منذ ثلاثة أعوام وتجاوز عدد فروعها 500 فرع، مما أثار تساؤلات حول هويتها وأهدافها، لا سيما أنها لا تتقاضى عمولة للتحويلات في العملة اللبنانية.
وبالنسبة إلى بعض الخبراء تشكل الشركات المالية غير المراقبة من قبل الجهات المتخصصة، خطراً على خصوصية المواطنين والمقيمين، إذ من خلال التحويلات المالية أو سداد الفواتير والرسوم تستحصل على بيانات شريحة واسعة من الأشخاص، لا يعرف مدى استخدامها بشكل آمن أو تسريبها لجهات معينة.
وبرزت خلال الأعوام الأخيرة عشرات الشركات المالية بالتزامن مع انهيار كارثي في الاقتصاد وهروب المستثمرين وتصفية واسعة للشركات، الأمر الذي يثير حيرة الاقتصاديين حيال سبب الاستثمار في هذا القطاع.
مكاتب تحويل غير مرخصة في لبنان... على عملها مئات إشارات الاستفهام:
بموازاة فورة الاستثمار في الشركات المالية، يبرز القلق من مئات مكاتب تحويل الأموال المعروفة باسم "حوالات"، إذ انتشرت بشكل واسع النطاق في بيروت وبعض المناطق اللبنانية.
وعلى عكس الشركات المرخصة، فإن مكاتب الحوالات ليس لديها سقف للتحويلات المالية بمختلف العملات إلى دول في المنطقة أبرزها العراق وسوريا وإيران وتركيا.
ويمكن للعميل تسلم حوالته خلال دقائق ومن دون مستندات رسمية، إذ يكتفي الموظف في تلك الشركات بصورة مرفقة مع المبلغ المراد تحويله وإرسالهما عبر "واتساب" من وإلى لبنان، من دون أن تكون هناك رقابة على ذلك من جانب وزارة المالية أو البنك المركزي.
ظاهرة الصرافين الـ "دليفري":
من مظاهر الفوضى النقدية في لبنان انتشار ظاهرة بيع العملات على الطرقات العامة، أو عبر خدمة التوصيل المنزلي، بحيث تتم العمليات النقدية من دون ضوابط وخارج أي رقابة رسمية، كما أن سعر الصرف قابل للتفاوض بما يناسب الطرفين.
وعلى رغم محاولات خجولة من جانب السلطات الأمنية لكبح هذه الظاهرة، إلا أن النتيجة باءت بالفشل وبات انتشار صرافي الطرقات يتنامى بشكل مثير للقلق والتساؤلات حول إذا ما كانت هناك مافيا لجمع الدولارات لمصلحة جهات حزبية أو شركات مالية أو أصحاب شركات الصيرفة.
وبرأي مراقبين فإن لبنان بات ساحة واسعة لغسل الأموال والتجارات غير الشرعية، حيث يمكن استخدام ما بات يعرف بالسوق السوداء خارج الرقابة الحكومية والمرتبطة أيضاً بأسواق مماثلة في دول إقليمية أخرى لإتمام التحويلات الدولية بشكل غير شرعي ومن دون المرور بالبنوك الوسيطة التي تكون عادة بمثابة الرقيب الدولي على التحويلات.