حين تصبح قيمة العملة أقل من تكلفة طباعتها... ما هو التضخم المفرط وهل حدث في سوريا؟

على عكس المفهوم العادي والتقليدي للتضخم، فإن التضخم المفرط هو مصطلح يصف الارتفاعات السريعة والمبالغ فيها لأسعار السلع والخدمات ‏وخروجها عن السيطرة، وفي الأغلب، يمكن القول إن هناك تضخمًا مفرطًا ‏عندما ترتفع الأسعار بأكثر من 50% شهرياً.‏

ورغم أنه حدث اقتصادي نادر الوقوع في الاقتصادات الكبرى والمتماسكة، إلا أن التاريخ ‏يطلعنا على حدوثه بالفعل في دول مثل ألمانيا والمجر وروسيا.‏

أما في الاقتصادات الضعيفة أو النامية المتأخرة، فإن احتمالية حدوث التضخم المفرط ليست قليلة، وتزداد الفرصة حين تتورط الدولة في حروب أو أزمات مع دول أخرى.

كيف ولماذا يحدث التضخم المفرط:

يمكن سرد أسباب عديدة للتضخم المفرط أبرزها المعروض الكبير من النقود، ففي ‏الأحوال العادية، تتحكم البنوك المركزية في حجم النقد المتداول بالأسواق.‏ لكن في بعض الدول بالماضي، تم طباعة الكثير من النقود للدرجة التي أسفرت عن ‏زيادة هائلة من المعروض النقدي، وذلك في أوقات الركود أو الكساد.‏

وتحاول البنوك المركزية بهذه الخطوة إنعاش الاقتصاد عبر زيادة المعروض ‏النقدي المتداول لتشجيع البنوك على الإقراض والمستهلكين على الإنفاق، لكن في ‏بعض الأحيان، يخرج الأمر عن السيطرة.‏

عند طباعة النفود، لا بد أن تكون الزيادة في المعروض النقدي مدعومة بالنمو ‏الاقتصادي المقاس بالناتج المحلي الإجمالي، وفي حالة عدم توازن الزيادة في ‏المعروض من النقد مع النمو، ينتج التضخم المفرط.‏

أيضاً يعزز الطلب القوي على السلع والخدمات الزيادة السريعة في الأسعار، وهو ‏أحد السيناريوهات التي تؤدي إلى التضخم المفرط، لأن الطلب القوي لا يقابله ما ‏يكفي من السلع، ومن ثم، ترتفع الأسعار.‏

ما الضرر الذي يتسبب به التضخم المفرط على الدول؟

يتسبب التضخم المفرط بالعديد من التداعيات السلبية، فقد يبدأ الناس ‏تخزين البضائع مثل الطعام، وفي المقابل، يمكن أن يكون هناك نقص في الإمدادات ‏من السلع الغذائية.‏

وعندما ترتفع الأسعار بشكل مفرط، تنخفض قيمة المال لأن التضخم يجعله أقل قوة ‏شرائية، وتعني القوة الشرائية الأقل أن المستهلكين يحتاجون للكثير من الأموال ‏لإنفاقها على سلع بسيطة.‏ نتيجة لذلك، ربما يرى البعض أشخاصاً يكدسون الكثير من النقود الورقية لشراء ‏مثلا كيلوغرام من الطحين، حينها، تكون العملة أقل قيمة من الحبر الذي استخدم في ‏طباعتها.‏

أيضًا، يفقد الناس الثقة في المؤسسات المالية، مما يؤدي إلى توقف البنوك ‏والمقرضين عن العمل، وقد تنخفض الإيرادات الضريبية أيضاً إذا لم يتمكن ‏المستهلكون والشركات من الدفع، مما يؤدي إلى فشل الحكومات في توفير الخدمات ‏الأساسية.‏

هل يحدث/ حدث التضخم المفرط في سوريا؟

الجواب المختصر هو نعم؛ فارتفاع الأسعار الهائل والمتسارع خلال السنوات الماضية، والتدهور المخيف لسعر صرف الليرة السورية، علاوةً على اضطرار البنك المركزي السوري لطباعة فئات جديدة من العملة في كل مرة أثناء هذه الأزمة، هي كلها علامات ودلائل واضحة على ظاهرة التضخم المفرط.

لكن التضخم الحاصل في سوريا لا يأتي وحده، بل ترافقه أزمة الركود الحاضرة بقوة بسبب الرواتب المتدنية للغاية، وضيق قنوات التجارة الخارجية بسبب العقوبات الغربية الناتجة عن فشل الحكومة سياسيًا بالتوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف.

أزمة الركود الحاضرة بقوة في سوريا إلى جانب التضخم المفرط، تتسبب بظهور أزمة أخرى ناتجة عن هذا المزيج الفريد، وهي الركود التضخمي.

يتسبب الركود التضخمي في واحدة من أشد الأزمات المالية التي شهدها السوريون عبر تاريخ البلد، فلا ضعف الطلب يقنع الأسعار بالانخفاض، ولا التضخم المتزايد ترافقه زيادة بالكتلة النقدية.

أمثلة من الماضي على حالات التضخم المفرط عالميًا:‏

حدثت إحدى حلقات التضخم المفرط الأكثر تدميراً وطويلة الأمد في يوغوسلافيا ‏خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي، وكانت البلاد تعاني بالفعل من تضخم ‏تجاوزت نسبته 76% سنوياً.‏

أيضاً، عانت المجر من تضخم مفرط عقب الحرب العالمية الثانية، وبلغت ذروة ‏ارتفاعات الأسعار 207% يومياً.‏

ومن أشهر الأمثلة ما واجهته ألمانيا من تضخم مفرط في أزمة عام 1923 حيث ‏اضطرت الحكومة وقتها لطباعة المزيد من الأموال لدفع أجور العمال.‏

ونتيجة لذلك، خرجت الأسعار عن السيطرة بحيث قفز سعر رغيف الخبز الذي ‏كان ثمنه 250 مارك في يناير/ كانون الثاني عام 1923 إلى 200000 مليون مارك ‏في نوفمبر تشرين الثاني 1923.‏

وبحلول خريف عام 1923، كانت تكلفة طباعة ورقة نقدية أكبر قيمة مما كانت ‏تستحقه هذه الورقة.‏

وخلال الأزمة، كان العمال يتقاضون رواتبهم مرتين في اليوم في كثير من الأحيان ‏لأن الأسعار ارتفعت بسرعة كبيرة لدرجة أن أجورهم كانت بلا قيمة تقريبًا بحلول ‏وقت الغداء.‏