باريس تستمد طاقة التدفئة من مياه مجاريها بعد تجربة مقلقة عاشتها مع انقطاع الكهرباء
أطلقت بلدية باريس تجربة جديدة عبر استغلال مياه الصرف القادمة من الحمامات والمراحيض والغسالات لتوفير الطاقة اللازمة لتشغيل وحدات التدفئة في خمسة مبانٍ حكومية. على اعتبار أن "مياه الصرف تشكل مصدراً مستداماً للطاقة ولا تسبب انبعاث غازات الاحتباس الحراري".
يأتي ذلك، بعدما انقطع التيار الكهربائي عن عدة أحياء بجنوب العاصمة الفرنسية باريس ليلة الخميس الماضي، ما أدى لإغراقها في الظلام. واستمر الانقطاع نحو 45 دقيقة، وكان ناجما عن خلل فني كما ادعت الجهات المعنية، لكنه أجج المخاوف من تأثير أزمة الطاقة على البنى التحتية في البلاد التي تختبر أول موجة برد هذا الشتاء.
مستقبل طاقة باريس في مياه الصرف الصحي:
يتوقف جزء من مستقبل الطاقة لباريس وسكانها البالغ عددهم نحو 2 مليون نسمة على العمل الذي يجري تنفيذه على عمق أربعة أمتار. حيث تعمل شركة "سوييز" التي رسا عليها عقد بقيمة مليوني يورو لتنفيذ مشروع طاقة مياه الصرف الصحي، على تركيب مبادلين حراريين بطول 60 متراً، يقع كل منهما على جانب من نقطة تجميع المياه، لتوفير 60 في المئة من احتياجات التدفئة لخمسة مبانِ عامة مجاورة، هي ثلاث مدارس وصالة للألعاب الرياضية ومسبح للأطفال.
وسيبقى تدفق المياه العادمة مقطوعاً لمدة ستة أشهر بواسطة سد بهدف تحرير المجرى، أسفل الأنبوب، وتركيب المبادلين الحراريين هناك.
والمبادل الحراري أبسط مما يبدو، إذ هو لوح رفيع بسماكة سنتيمتر واحد، مدمج بواسطة الأسمنت في الجدار العمودي الجانبي.
ويشرح مدير الابتكار والأداء الطاقوي في بلدية باريس "داميان بالان"، أن الماء يولّد سعرات حرارية لدى احتكاكه بالمبادلَين، وهذه السعرات "تنتقل إلى المضختين الحراريتين المركبتين في المباني".
ويوضح المهندس أن حرارة مياه الصرف الصحي تتراوح بين 13 درجة مئوية في الشتاء و20 درجة مئوية في الصيف، أي أكثر وأقل على التوالي من درجة الحرارة الخارجية. وبالتالي، يمكن للمشغل "إنتاج الحرارة في الشتاء والبرودة في الصيف"، وفقًا لـ "بالان".
وفي ظل أزمة الطاقة والأزمة المناخية، يعتقد المجلس البلدي أن الحل يكمن في مجاري المدينة، معتبراً أن مياه الصرف تشكل مصدراً مستداماً للطاقة، لا يتسبب بانبعاث غازات الاحتباس الحراري.
ويشير "داميان بالان" إلى أن تركيب هذه الألواح يتطلب بالفعل، بالإضافة إلى "المباني التي توفّر لها الطاقة في الجوار"، شبكة مجارٍ كبيرة، من دون تعرجات وانحناءات، ووجود نقطة تجميع رئيسي تتيح الحصول على "الماء طوال الوقت".
وعلى الجهة المشغلة أن تراقب أيضاً احتمال حدوث انسداد في القناة يمكن أن يؤثر على إنتاجية المبادِلات. ويؤكد "بالان" أن تلك الموجودة في باريس "تُفحص بشكل شديد الانتظام".
ويقول نائب رئيس البلدية للأشغال العامة "جاك بودرييه": "كنا ننفذ التجربة وأصبحنا في (مرحلة) التعميم"، مذكّراً بأن البلدية خصصت موازنة قدرها "130 مليون يورو سنوياً للانتقال البيئي للمباني".
مشاريع أخرى على نفس المبدأ:
هذا المشروع الباريسي ليس الأول على المستوى الوطني، إذ تجري بلديتا مدينتي "بوردو" و "لوفالوا بيريه" تجارب على هذا النظام منذ عقد. حتى أن المشروع الحالي في باريس هو الثاني في العاصمة لاستعادة الحرارة في المجاري، إذ سبق أن طبق عام 2019 على مبنى البلدية في الدائرة الحادية عشرة ومدرسة مجاورة لها.
وتوفر مياه الصرف للمبنيين 30 في المئة من استهلاكهما من الطاقة منذ ذلك الحين، بحسب البلدية المركزية.
ومع أن في فرنسا كلها نحو 20 مشروعاً من هذا النوع، توفّر العاصمة مكاناً يمكن فيه تطبيق هذه التقنية على نطاق واسع، إذ يبلغ طول شبكة المجاري تحت الأرض نحو 2600 كيلومتر، على ما يشرح رئيس قسم مشاريع الطاقة المتجددة في البلدية "سيدريك ريبولو".