ماذا تفعل الدول المتورطة بديون هائلة مثل مصر للنجاة من الانهيار الاقتصادي؟
تتباين الأسباب التي قد تدفع دولة ما إلى الاستدانة، لكن خطوة الاقتراض تبقى دائمًا مؤشرا على التعثر الاقتصادي؛ وبينما تختلف آلية كل دولة في إدارة أزمة الدين حال تفاقمها تتعدد المصائر التي تشتمل غالبا على مزيد من المعاناة الآنية فضلا عن إرث تتكبده الأجيال القادمة.
في مصر، تجاوزت مؤخرا أزمة الدين التصريحات الرسمية المطمئنة تجاه حدود الاقتراض لتعلو أصوات من داخل السلطة مطالبة بإسقاط الديون عن البلاد أو مبادلتها بأصول واستثمارات.
وبما أن الحالة المصرية هي أبرز مثال عن ظاهرة الاقتراض الفاحشة في منطقتنا وفي وقتنا الحالي، سنناقش موضوع القروض الدولية من الزاوية المصرية...
جمهورية مصر... دولة على جبل من الديون:
يبلغ حجم الدين الخارجي في مصر نحو 157.8 مليار دولار، وفق تقرير البنك المركزي المصري في سبتمبر/أيلول الماضي؛ مما يعني أنه زاد بنحو 5 أضعاف مقارنة بما قبل 10 أعوام، إذ بلغ في نهاية عام 2012 نحو 34.4 مليار دولار.
بينما يصل إجمالي الدين المحلي حتى يونيو/حزيران 2020 إلى 4.7 تريليونات جنيه (الدولار يعادل 24.57 جنيها).ويٌقدر حجم الدين العام الحكومي بنحو 86% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفق بيانات وزارة المالية، وصلت قيمة مخصصات فوائد الدين في الموازنة العامة للدولة خلال العام المالي الحالي إلى نحو 690.2 مليار جنيه، مقابل 579.6 مليار جنيه في العام المنصرم، بزيادة تصل نسبتها إلى 19%.
وتمثل مخصصات فوائد الديون نحو 33.3% من إجمالي مصروفات مشروع الموازنة، وبذلك تفوق بأكثر من 5 أمثال مخصصات قطاع الصحة التي تقدر بنحو 128.1 مليار جنيه.
وفي أبريل/نيسان الماضي، ذكرت وكالة "ستاندرد آند بورز" الأميركية أن مصر تستحوذ على نسبة تقدر بـ 0.6% من إجمالي الديون في العالم، مبينة أن تلك النسبة مرتفعة إذا قورنت بالعديد من الدول المماثلة أو الاقتصادات الناشئة.
أمام كل تلك المعطيات المثيرة للقلق، أعلنت الحكومة المصرية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد، وتبلغ قيمة الدين 9 مليارات دولار، يمنح منها صندوق النقد الدولي 3 مليارات دولار، ومليار دولار من الصندوق الائتماني للصلابة والاستدامة، و5 مليارات دولار من شركاء التنمية.
وهنا يبرز السؤال الأهم: "كيف يمكن لمصر أن تنجو بجلدها من كل هذه الديون المليارية؟".
الاحتمال الأول: إسقاط الديون
في مايو/أيار 2020، كشف وزير المالية المصري "محمد معيط" عن طلب بلاده من صندوق النقد والبنك الدوليين إسقاط بعض الديون أو الفوائد وتأجيل البعض الآخر.
وخلال قمة المناخ التي انعقدت في مدينة شرم الشيخ المصرية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، نظمت مبادرة "المليون شاب متطوع للتكيف المناخي" وقفة احتجاجية للمطالبة بإسقاط الديون عن مصر، رافعين لافتات تحمل عبارة "لا عدالة مناخية بدون عدالة إسقاط الديون".
قبل ذلك، طالب حزب الدستور في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بإسقاط الديون عن مصر ودول الجنوب كونها تدفع ثمنا باهظا جراء التغيرات المناخية التي تتسببها دول الشمال ذات النشاط الصناعي الكبير.
ودعا حزب الإصلاح والتنمية إلى أهمية العمل على إسقاط جزء "مقدر" من الديون الخارجية أسوة بما حدث في تسعينيات القرن الماضي.
الاحتمال الثاني: مبادلة الديون
في يونيو/حزيران الماضي، دعا الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" الدول العربية التي تمتلك ودائع (شكل من أشكال الدين) في مصر لتحويل تلك الودائع إلى استثمارات.
وخلال فعاليات قمة المناخ، أعلن رئيس الوزراء "مصطفى مدبولي" عن تعاون وزارة المالية مع الشركاء الدوليين لصياغة مبادرتين تتعلقان بتسهيل مبادلة الديون وخفض تكلفة الاقتراض الأخضر.
ودعا وزير الخارجية المصري "سامح شكري"، خلال كلمته أمام اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، إلى أهمية تجاوب الدول المتقدمة مع مطلب إطلاق مبادرة عالمية بين الدول الدائنة والمدينة؛ بهدف مبادلة الديون وتحويل الجزء الأكبر منها إلى مشروعات استثمارية مشتركة، بما يحقق نموا إيجابيا لاقتصادات الدول النامية.
وفي أبريل/نيسان الماضي، باعت مصر حصصا في 5 شركات عامة مملوكة للحكومة المصرية إلى الصندوق السيادي الإماراتي مقابل 1.8 مليار دولار.
أما في أغسطس/آب الماضي، استحوذ صندوق الاستثمارات السعودي على حصص مملوكة للحكومة المصرية في 4 شركات مدرجة بالبورصة بقيمة 1.3 مليار دولار.