ما حقيقة خطة المركزي اللبناني لتوحيد سعر الصرف؟ إجابة موجزة ليتضح الأمر
بعد ثلاث سنوات عاشتها لبنان في فوضى عارمة لأسعار الصرف، أعلن حاكم بنك لبنان المركزي "رياض سلامة" بدء مرحلة جديدة ترمي إلى توحيدها من خلال تبنّي الدولة سعر صرف جديداً هو 15 ألف ليرة، يحلّ مكان ما دونه من أسعار.
وهكذا ستنحصر تعاملات السوق في ثلاثة أسعار: السعر المعتمد رسمياً، سعر "صيرفة"، وسعر السوق الموازية. وهذا يعني أن الهامش بين الأسعار الثلاثة سيبقى واسعاً ويشرّع البابَ أمام المضاربات والدوران في الحلقة المفرغة ذاتها.
توحيد سعر الصرف في لبنان... خطة بلا جدوى؟
تنقل صحيفة "الأخبار" اللبنانية، عن خبراء بالشأن الاقتصادي قولهم إنه ما لم يُتفق على توزيع الخسائر والتعامل مع الأزمة من منظور اقتصادي، فلا جدوى لهذه الخطوة التي لا تُعدّ بأيّ شكل من الأشكال توحيداً لسعر الصرف
فعلى سبيل المثال، مع وقوع الانهيار عام 2019، قرّر حاكم مصرف لبنان "رياض سلامة" إطفاءَ ما يمكن من خسائر القطاع المصرفي، وإدارة أزمة شُحّ الدولارات في ميزانيته، بفتح الباب أمام المضاربات. فقامت خطّته على خلق أسعار صرف جديدة، وعلى زيادة الكتلة النقدية بالليرة.
بالفعل، أغرق السوق بأكثر من 65 تريليون ليرة أُضيفت فوق 5 تريليونات ليرة كانت قيد التداول قبل مطلع 2019. وبفعلته هذه، خلق الحاكم بيئةً خصبةً للمضاربة على الليرة، ما دفع سعر الدولار في السوق الموازية إلى التحليق، مرّة تلوَ أخرى. طبعاً، كان التضخّم يلحقه دائماً مسجّلاً هو الآخر أرقاماً قياسية تراكمت إلى أكثر من 1400% بين مطلع 2019 وتشرين الأول 2022.
الفرق بين نظام أسعار الصرف القديم والحديث في لبنان:
قبل تبنّي الدولة سعر صرف يبلغ 15000 ليرة، أي بزيادة 10 أضعاف عمّا كان عليه، كان عدد أسعار الصرف خمسة، على النحو الآتي:
1507.5 (المعدل الوسطي للرسمي)، 8000 (التعميم 151)، 12000 (التعميم 158)، منصة "صيرفة"، والسوق الموازية.
لكن، باعتماد الدولة سعر صرف 15000 ليرة للدولار الواحد ابتداءً من أول شباط المقبل، ستنحصر تعاملات السوق في 3 أسعار صرف:
- السعر الجديد الذي تبنته الدولة، وهو ثابتٌ يسري على موازنات إدارات ومؤسسات الدولة والضرائب (من ضمنها الدولار الجمركي) وميزانيات المصارف والشركات الخاصة.
- سعر منصة صيرفة، وهو متحرّك يسري على رسوم الاتصالات والكهرباء وبعض المعاملات التجارية التي تتمّ من خلال مصرف لبنان.
- سعر الدولار في السوق الموازية الذي يسري على المحروقات وغالبية التعاملات التجارية.
ما هو هدف "سلامة" من توحيد أسعار الصرف في لبنان؟
يقول "سلامة" إن تبنّي السعر الجديد يأتي "ضمن عملية لتوحيد نظام سعر الصرف". لكن لم يسأل أحد الحاكم عن تفاصيل العملية، ولا هو بادر إلى مكاشفة الرأي العام بها، بل استمر في إخفاء الخسائر الحقيقية في ميزانيته وميزانيات المصارف.
في هذا السياق، يتحدث مدير المركز الاستشاري للدراسات "عبد الحليم فضل الله"، للصحيفة مشيرًا إلى أن مقاربة توحيد أسعار الصرف كانت في السابق تجري "من منظور اجتماعي". أمّا بعد رفع الدّعم، فقد بات توحيدها يُقارب "من زاوية ميزانيات المصارف وتوزيع الخسائر".
حيث تُحتسب الميزانيات حتى اليوم على أساس السعر الرسمي، أي 1507.5 ليرات للدولار، ما يُخفي الخسائر الحقيقية بالعملات الصعبة. وبمجرد تبديل السعر المعتمد رسمياً، فإن ذلك سيُلزم المصارف بإعادة احتساب ميزانياتها على السعر الجديد، وهو ما "سيُرتّب عليها فجوة بمليارات الدولارات، وستخسر جزءاً من رساميلها".
لذا، لا يرى "فضل الله" أنه يمكن توحيد أسعار الصرف قبل التوافق على خطة للتعافي الاقتصادي وإعادة هيكلة المصارف، وقبل التوصل إلى صيغة مقبولة لتوزيع الخسائر في القطاع المالي، تبدأ بحملة الأسهم ثم تصيب المودعين في النهاية.