التناقض الأسود في لبنان... ثراء فاحش للبعض وفقر مدقع للباقين
في بلد يعيش واحداً من أسوأ نماذج الانهيار الاقتصادي في التاريخ (وفق توصيف البنك الدولي)، نرى صورتين متناقضتين بشكلٍ يدعوا إلى الذهول؛ الأولى لطوابير الانتظار أمام محطات الوقود والأفران والصيدليات، بينما الصورة الثانية لطوابير الانتظار أمام المطاعم والملاهي وأماكن السهر والحفلات المكتظة، مما يعكس تناقضاً غريباً في توصيف الحالة اللبنانية.
تفاوت الثروة في لبنان... أرقام أغرب من أن تُصدَق:
إذا أردنا ترجمة المشهد الغريب إلى الأرقام، ستخبرنا إحصاءات منظمة "إسكوا"، أن أغنى 10 في المئة من سكان لبنان يملكون 90 مليار دولار بمعدل ثروة لكل واحد يبلغ 360 ألف دولار، كما أنه بحسب تقرير قاعدة بيانات عدم المساواة في العالم فإن أفقر 50 في المئة من السكان في لبنان يملكون 0.1 في المئة من الثروة وأغنى 1 في المئة يملكون 48.2 في المئة من الثروة.
في الواقع فإن الهوة بين الفقراء والأثرياء كانت قبل الأزمة كبيرة جداً في لبنان، لكنها تمددت وأصبحت نافرة أكثر وظاهرة للعيان والمشاهد المتناقضة مع الأزمة دلالة على حجم هذه الهوة ومدى اتساعها انسجاماً مع سلوك الطبقات الاجتماعية.
في هذا الصدد، أوضح خبير الأمم المتحدة "أوليفييه دي شوتر" أن الأزمة الاقتصادية التي من صنع الإنسان في لبنان بدأت عام 2019 واليوم يقف البلد على شفير الانهيار، مستشهداً بالتقديرات الحالية التي تضع أربعة من كل خمسة أشخاص في فقر.
وأردف "في الوضع الحالي يسود نظام يحمي الأغنياء بينما يترك الأسر الفقيرة تعيل نفسها بنفسها"، مشيرًا إلى أنه تم تدمير الخدمات العامة، بما في ذلك الكهرباء والتعليم والرعاية الصحية مع وجود دولة تدعم بشكل كبير توفير القطاع الخاص لهذه الخدمات.
كيف كان يبدو أهالي لبنان قبل الأزمة؟
يكشف الباحث في الشركة الدولية للمعلومات "محمد شمس الدين"، أنه قبل الأزمة المالية الاقتصادية التي تشهدها البلاد منذ نهاية عام 2019 كانت تركيبة الشعب اللبناني مبنية على النحو التالي: 5 % هم الأثرياء و70 % ينتمون إلى الطبقة الوسطى و25 % من الفقراء 15 % منهم يرزحون تحت خط الفقر المدقع.
ويوضح أنه نتيجة الانهيار الذي تمثل في الزيادة الجنونية بالأسعار، فضلاً عن ارتفاع سعر صرف الدولار في لبنان وانتشار البطالة، وصلت نسبة الفقر المدقع إلى أكثر من 38 %، في وقت حافظت الطبقة الغنية على نسبتها.
أما الطبقة الوسطى، فانحدرت من 70 % إلى ما دون 40 %، مما يعني أن الفقراء في لبنان يشكلون ما نسبته 55 % وبطبيعة الحال كلما هبط سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار سترتفع تلقائياً هذه النسبة.
أثرياء لبنان ذوي القدرة الشرائية الجبارة:
بيّن "شمس الدين" أن هناك خمسة % من اللبنانيين من الأثرياء يقدر عددهم بنحو 100 ألف شخص لديهم قدرة شرائية عالية كون أموالهم مودعة خارج البلاد ولم تتأثر بحجز الودائع لدى المصارف المحلية.
وهناك نحو 850 ألف لبناني يتلقون حوالات نقدية بالعملة الصعبة من ذويهم في الخارج وهم أيضاً لديهم قدرة شرائية مرتفعة. هذه الأرقام تفسر مظاهر الرفاهية التي تشهدها لبنان، لكنها لا تلغي وجود 3 ملايين لبناني يعيشون أوضاعاً اقتصادية صعبة.
وبرأيه، "يلعب المهاجرون من الجاليات اللبنانية في الخارج دوراً مهماً في هذه الأزمة فهم السبب المباشر لاستمرار البلاد، سواء من خلال تحويلاتهم أو من خلال إنجاح الموسم السياحي الذي أرفد الاقتصاد بأكثر من 6 مليارات دولار وفق أرقام وزارة السياحة".