ظاهرة السطو على المصارف في لبنان لا تتوقف والخوف مما هو أخطر
تزداد ظاهرة السطو على مصارف لبنان تفاقمًا، فمنذ أشهر يُقدِم اللبنانيون على أساليب عنيفة نسبيًا وغير تقليدية لاسترجاع أموالهم، وقد شهد يوم أمس وحده ثلاث عمليات من هذا النوع. ويدعمهم في ذلك الرأي العام الذي سئم أزمةً تبدو بلا نهاية.
تناولت صحيفة "أوريان 21" اللبنانية هذه الظاهرة مشيرةً إلى أنه تم “السطو” على عشرة مصارف تقريباً، معظمها في بيروت، لكن الظاهرة امتدت إلى مناطق أخرى في البلاد.
ليست سرقات عادية بل ردود فعل يائسة:
ما يشدّ الانتباه في هذه الظاهرة كونها ليست عمليّات “سرقة” عاديّة، بل هي ردود فعل يائسة من مودعين يسعون إلى استعادة جزء من أموالهم، بعد أن تم الحدّ من وصولهم إلى حسابهم بالدولار، وباتت ودائعهم لا تساوي سوى جزء بسيط من قيمتها.
يُضاف إلى ذلك التضخم المفرط الذي وصل، وفقًا لوكالة التصنيف Fitch Ratings، إلى نسبة 173٪ في عام 2022. لذلك يلجأ البعض إلى هذا التصرّف اليائس كحلّ أخير، ويقومون بذلك غالبًا لمساعدة أحد أفراد أسرتهم.
والمسألة بالنسبة للناس ليست عملية سرقة، بل تدور حول استعادة المرء لممتلكاته، بل حتى لمصيره، وغالبًا ما يرتبط الشيئان عندما تكون كرامة المرء على المحك.
السطو بأسلوب الاستعراض:
تقول الصحيفة: لم يعد بعضهم يتردد في القيام بالسطو بطريقة استعراضية، وهم مقتنعون في هذا أيضا بشرعية ما يفعلون، وربما يدركون حقيقة أنهم يتصرفون باسم مجتمع منهوب، أو ربما لدحض العنف عن العملية.
ويتم الإخراج باستخدام هاتف جوّال لتصوير الفيديو، ووجه مكشوف، وغالبًا ما يكون السلاح بلاستيكيًّا. وكأن عبثية الموقف لا يمكن أن تنجم سوى على هذه المسرحية - كأنها هروب من الواقع الذي أصبح لا يطاق.
ثم ينتشر هذا الإخراج بسرعة عبر شبكات التواصل الاجتماعي والمشاركة، ويتضامن المشاهدون مع الفعل. وهكذا وجد العديد من الفاعلين أنفسهم مدعومين من قبل الجمهور الذي قد يمدحهم، مما يعزز ثقتهم ويؤيّدهم في نهاية المطاف في جرأتهم.
أما الملفت للانتباه في عمليات السطو هذه، أنها عموماً ناجحة، إذ يحصل مرتكبوها على جزء من ودائعهم، سواء تم القبض عليهم أم لا. ما يسفر عن ضغط مزدوج تجاه مديري المصارف، ولكن أيضًا تجاه الطبقة السياسية، والتي يُفترض أن تقدّم إجابة على هذه الظاهرة.
ثم يصير أصحاب هذه العمليّات أيقونات، ويتم تثمين فعلهم، ما يجعل منه حتماً سلاحًا سياسيًا. ويدفع الشعور العام بالتعب والفتور إلى التماهي مع هؤلاء "الأبطال"، وهو شعور لا يقلّ حدّة عن الأمل المشترك بالتغيير. فحتى رابطة المودعين عبّرت عن دعمها من خلال تقديم المساعدة القانونية عبر خمسين محامياً.
أما المخاوف حاليًا فأن تتطور هذه الظاهرة إلى ما هو أكبر من عمليات سطو فردية، مما سيرمي في البلاد بمستنقع أعمق وأخطر من ذلك الذي توجد فيه حاليًا، ولو أصبحت الأمور بالتدريج أكثر عنفًا، حينها لا أحد قادر على التنبؤ بمدى قتامة ما ينتظر لبنان.