حوالات مغتربي لبنان تصبح أوكسجين الليرة اللبنانية... الكشف عن مبالغ ضخمة
لعل التشبيه الأنسب لتحويلات اللبنانيين في الخارج وسط الانهيار المالي والاقتصادي الذي يسود البلاد، هو بأنها "أكسجين الاقتصاد". فالمليارات السبعة التي تصل إلى البلاد سنوياً من أبنائه الموزعين في أنحاء العالم تحافظ على الحد الأدنى من مظاهر الحياة، وتقي المقيمين جزئياً هم السؤال والعوز، وتسند الليرة اللبنانية المتهالكة.
باتت تلك التحويلات تشكل المورد الأساس للدولار "الفريش"، بعد أن انقرضت الاستثمارات الأجنبية وتراجع التصدير إلى الخارج مع تراجع القدرة التنافسية لكثير من القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية في مواجهة المنتجات الأجنبية.
حوالات المغتربين في لبنان أكثر من مجرد دعم مالي:
تاريخياً، تعامل لبنان بكثير من الإيجابية مع تحويلات المغتربين، بل إنها دخلت في صلب الخطط الحكومية والأهلية.
في هذا الصدد، يؤكد الأكاديمي "حسن علي حمادة" أن "لبنان لطالما عاش في ظل عجز بالميزان التجاري، لكنه في المقابل كان لديه فائض بميزان المدفوعات، وشكلت أموال المغتربين عاملاً في ميزان المدفوعات بفعل تحويل مبالغ كبيرة إلى العائلات والأقارب في الداخل، مما يشي بوجود علاقة قوية بين اللبناني المغترب ووطنه الأم".
ويوضح أنه "تم تصنيف لبنان ضمن أكثر ثلاث دول تسهم التحويلات الخارجية في تعزيز صمود المقيمين، ومعه الهند وإيرلندا، حيث تستقبل تحويلات هائلة إلى الداخل".
ويقر الاقتصاديون بدور كبير لتلك الأموال في منع الانهيار التام بالبلاد، وتأتي غالبية الأموال من الخليج العربي وأفريقيا، حيث تمتاز العمالة اللبنانية هناك بسعيها إلى إعادة أموالها المحققة لاستثمارها وادخارها في البلاد.
النفس الأخير للاقتصاد اللبناني:
يقول "حمادة" إن "النفس الأخير للبنان ما زال بفضل رئة المغتربين، حيث تم تحويل ستة مليارات و700 مليون دولار عبر المؤسسات الرسمية في عام 2021، وهو رقم ضخم مقارنة بحجم الاقتصاد المحلي البالغ حينها 22 مليار دولار".
ولكن في المقابل يلفت "حمادة" إلى "دولارات إضافية تدخل البلاد عبر الحقيبة الشخصية، حيث يفضل كثيرون توفير كلفة التحويلات، والاستعاضة عنها بشراء تيكيت وقضاء عطلة نهاية الشهر في بلادهم"، لافتاً إلى عدم القدرة على حصر وتقدير حجم ما يأتي بـ"القنوات الرديفة".
أين تصرف الدولارات؟
شكل فصل الصيف قفزة نوعية في سياحة المغتربين على رغم تردي الخدمات في البلاد، حيث تغيب الكهرباء الرسمية وتسوء الخدمات والبنى التحتية.
ويتحدث "حمادة" عما لا يقل عن مليار دولار جاءت خلال الصيف، "دخل ما يقارب مليوني مغترب، في حال أدخل الواحد منهم خمسة آلاف دولار، وهو مما يعني دخلاً كبيراً بالعملة الصعبة"، معبراً عن أسفه من عدم الاستفادة من تلك الأموال قائلاً، "إن الوضع أشبه بمن يسكب الماء في الغربال، لأن تلك الأموال تصرف على الاستهلاك والتضخم في ظل غياب الاستثمارات".
ما ينطبق على ما سبق هو اتجاه الأموال القادمة من الخارج إلى تمويل الاقتصاد الريعي على حساب الاقتصاد الاستثماري الإنتاجي.
وتم إهدار فرصة استثمار 184 مليار دولار هو مجموع الودائع التي كانت ضمن النظام المصرفي اللبناني التي تم إهدارها، وتشكل حصة المغتربين حصة وازنة، فقد كان كثير من هؤلاء يتجه إلى وضع مدخراتهم في المصارف التجارية المحلية.
ولكن في المقابل لا يمكن التغافل عن إسهام تلك الأموال في تنشيط قطاعات التطوير العقاري والفنادق والمؤسسات السياحية، وبحسب التقديرات فإن نسبة حجوزات الفنادق والشقق السياحية بلغت 100 في المئة خلال فترة موسمي الميلاد ورأس السنة لنهاية عام 2022.