قصة قانون السرية المصرفية في لبنان وحقيقة الفائدة المرجوة منه

من بين القوانين الإصلاحية التي طلبها صندوق النقد الدولي من لبنان، تم أخيراً تطبيق قانون رفع السرية عن الحسابات المصرفية الخاصّة بالمسؤولين السياسيين وكبار الموظفين، وفُتح النقاش حول التعديلات التي لحقت به، والتي وسّعت مروحة الملاحقات، بعد أن كانت على نطاق ضيّق جداً في نسخة القانون القديمة.

هذه الخطوة فتحت المجال لعدد لا يحصى من الأسئلة: فهل التعديلات التي أُقرّت تخدم فعلاً الهدف المرجوّ بمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية؟ وماذا عن التباين المتداوَل بين النسخة النهائيّة لنصّ القانون والنسخة التي صدّق عليها مجلس النواب؟ وهل فقد لبنان السّمة المالية والمصرفية التي تغنّى بها طويلاً؟

السرية المصرفية في لبنان... قوانين دخيلة: 

تؤكد أستاذة القانون المتخصّصة في الشأن المصرفي "سابين الكيك"، في حديثها لصحيفة "النهار"، أنّ السرية المصرفية لم تكن يوماً أساساً للاقتصاد اللبناني، فالاقتصاد بُني في العقود الماضية على تحويل النفط القادم من العراق والسعودية إلى معامل الزهراني وصيدا، ممّا أدّى إلى التحويلات المالية إلى لبنان.

وكان للاقتصاد اللبناني قاعدة متينة، ثم جاءت السرية المصرفية آنذاك كأداة مالية مصرفيّة ترحيبيّة لتعزيز الدور الاقتصادي الذي اختاره لبنان، وليس العكس. فمحطات التكرير كانت مدماك الاقتصاد، لكون لبنان صلة الوصل باستيراد وتوريد النفط من الدول العربية إلى الدول الأوروبية.   

و"طالما أنّ المقاربة الاقتصادية التي بُني عليها لبنان انهارت، إضافة إلى الأزمة المصرفية، وبسبب بُعد لبنان عن الدول العربيّة وانهيار الثقة في القطاع المصرفيّ، لم تعد السريّة المصرفيّة أساساً، كما لم تكن يوماً"، وفق "الكيك". 

هل التعديلات التي لحقت بالقانون تخدم مكافحة الفساد؟

ترى "الكيك" أنّ أي قانون هجين لا يخدم الهدف المرجو. و"هناك تمسّك من النافذين في الدولة ومن المحتكرين بالسرية المصرفية تحت شعار أنّه واجهة لبنان"، بالرغم من تعارضه مع اقتصاديات الرأسمالية الحرة. لذلك، إقرار قانون واضح يخدم الهدف، عليه أن يلغي كل أساسيات ما سبق، لكن مجلس النواب لم يقم بذلك، إنّما وسّع حالات رفع السرية المصرفية.

وتشدّد "الكيك" على أنّ "التعديلات التي أصرّ صندوق النقد على تطبيقها لم تُطبَّق، والصيغة التي اتّفق عليها في مجلس النواب وأُعلن عنها، تم تغييرها في الصيغة النهائية للقانون، ما أثار حفيظة صندوق النقد الدولي". وتضيف أنّ "النواب لا يريدون إعطاء دور للنيابات العامة برفع السرية المصرفية، ويريدون حصر هذه المهمة بقضاة التحقيق وتحييد قضاة الحكم وقضاة الادعاء، بينما المطلوب هو ذكر القضاة المختصين بدعاوى الفساد، فمن المُخجل فعلاً أن يوافق مجلس النواب على صيغة، قد كُتب سواها في نسختها النهائية".                    

آلية تطبيق قانون السرية المصرفية: 

لا يزال قانون رفع السرية المصرفية محصوراً بحالات الفساد والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال، بشكل أساسي. وأعطي القضاء صلاحية جديدة وهي عدم وجوب عودته إلى هيئه التحقيق الخاصة التي يرأسها مصرف لبنان، ولم يكن الاستحصال على إذن من هذه الهيئة ممكِناً سابقاً.

وكان من المفترَض في الصيغة الجديدة بروز محاولة لإعطاء القضاء مطلَق الصلاحية من دون الرجوع إلى هيئات داخلية وإدارية مثل لجنة الرقابة على المصارف والإدارات المالية، و"هذا التعديل مقبول بعض الشيء إلّا أنّه لم يكن الصيغة النهائية التي أقرّ على أساسها القانون، وقد خبر صندوق النقد الدولي بذلك"، بحسب "الكيك".

كيف يخدم قانون السرية المصرفية المودعين؟

تشرح الكيك أنّه لدى وجود أيّ شك في إساءة أمانة المصرف تجاه المودع يمكن رفع السرية المصرفية عن أعضاء مجلس الإدارة ليمكن ملاحقتهم والكشف عن حساباتهم وعن توزيع الأرباح والتحويلات، وليتم الكشف عن الأشخاص أصحاب القرار الذين استغلوا مناصبهم لمصالح شخصية، ولما يتعارض مع قوانين الأسواق المالية والنزاهة والحوكمة.

وهناك شقّ رقابي يتعلّق بإقرار السرية المصرفية، لما بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، لكي يعرف الصندوق كيف ستتحرّك أموال القروض التي سيمنحها للبنان، ويتأكّد من وجود قوانين تضمن له هذه الرقابة.