الانخفاض المفاجئ لأسعار الغاز الطبيعي في أوروبا... ما السبب؟

تسبب اجتماع ثلاثة عوامل هي ارتفاع المخزونات وانخفاض الطلب والطقس المعتدل، من بين عوامل أخرى، بتخفيف حدة المخاوف التي طغت في أوروبا لجهة ارتفاع أسعار التدفئة والطاقة.

وبينما يبدو استعار الحرب في أوكرانيا، وتضاؤل صادرات الغاز الروسي​​، واقتراب موسم التدفئة في الشتاء، كوصفة مثالية لتحليق أسعار الطاقة عالياً في أوروبا، لكن تكلفة الوقود الضروري لتدفئة المنازل وتزويد محطات الكهرباء والصناعة بالطاقة، آخذة في الانخفاض.

حيث تراجع السعر الأوروبي القياسي للغاز الطبيعي هذا الأسبوع إلى مستوى يقل بأكثر من 70% عن أعلى مستوى سجله في أغسطس/ آب. وأحد الأسباب الرئيسية لهذا الانخفاض في الأسعار هو أن أوروبا، على الأقل في الوقت الحالي، لديها كل الغاز الطبيعي الذي تحتاجه.

جشع أوروبي... اندفاع ضخم لشراء الغاز:

خلال فصل الصيف، انطلقت أوروبا في موجة شراء عالمية بعد أن خفضت روسيا، موردها الرئيسي منذ فترة طويلة، تدفق الغاز الطبيعي بشكل حاد.

في جميع أنحاء القارة، قامت الحكومات والشركات بتجديد كمية الغاز التي يحتفظون بها في الخزانات. وبإلحاح من مسؤولي الاتحاد الأوروبي وبتكلفة عالية، قامت شركات الطاقة والحكومات بملء الكهوف الجوفية والمرافق الأخرى بأكثر من 90% من السعة، مقارنة بأقل من 80% العام الماضي.

وأغرقت الشركات التي تبيع الغاز الطبيعي، مدفوعة بارتفاع الأسعار، السوق الأوروبية. إذ تسابقت السفن الخاصة التي تحمل كميات هائلة من الغاز الطبيعي المسال، أو LNG، للوصول إلى أوروبا من دول تنتج كميات كبيرة من الغاز كالولايات المتحدة وقطر وجهات أخرى (بما في ذلك روسيا).

كان الاندفاع للبيع لأوروبا عظيماً لدرجة أن السفن "تتسكع" الآن قبالة السواحل في انتظار أماكن في المحطات المزدحمة لتفريغ حمولتها، وفق ما أفادت به "نيويورك تايمز".

في الوقت نفسه، انخفض الطلب على الغاز الطبيعي، الذي يعد مصدراً رئيسياً لتوليد الكهرباء التي تستهلكها أوروبا، بشكل حاد، وهو عامل آخر أدى إلى انخفاض الأسعار. وقد عنت بداية خريف أكثر دفئاً من المعتاد في أجزاء كثيرة من أوروبا، أن السكان لم يكونوا بحاجة إلى استخدام الكثير من التدفئة.

انخفاض عابر:

يحذر الخبراء من أن الانخفاض الأخير في أسعار الغاز يمكن أن يكون عابرًا، فالغاز الطبيعي الذي من المقرر تسليمه إلى أوروبا هذا الشتاء يتم بيعه بالفعل في أسواق العقود الآجلة بسعر مرتفع مقارنة بالسعر الحالي. ومن المرجح أن تستمر التقلبات الكبيرة وغير المعتادة في الأسعار التي جاءت مع تقييد روسيا لإمدادات الغاز خلال الأشهر الأخيرة.

وحتى بعد الانخفاض الأخير، لا تزال أسعار الغاز في أوروبا مرتفعة تاريخيًا، حيث يتم تداولها عند ضعف المستوى المحدد في هذا الوقت من العام الماضي، وحتى أعلى من المتوسطات طويلة الأجل.

نتيجة لذلك، تم إغلاق العديد من الشركات المتعطشة للطاقة مثل مصاهر الألمنيوم ومصانع الصلب والأسمدة مؤقتًا على الأقل. وفي إيطاليا، وهي مستهلك كبير للغاز، انخفض الطلب على الوقود في أغسطس وسبتمبر بنحو 10% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

يقول الخبراء إنه من السابق لأوانه الشعور بالارتياح لأسعار غاز منخفضة، لأن الأسواق تتفاعل مع ظروف قد لا تدوم. ويتم تداول العقود الآجلة للغاز الطبيعي تسليم يناير وفبراير 2023 بأكثر من 40% مقارنة بعقود شهر نوفمبر.

وقد يتم وضع الأسعار تحت اختبار صعب إذا ما قطعت روسيا آخر تدفقات لغازها تصل إلى أوروبا عبر أوكرانيا، أو إذا ما تعرضت البنية التحتية للطاقة لتخريب جديد، مثلما حدث في خطوط أنابيب نورد ستريم التي تمتد من روسيا إلى ألمانيا.