انخفاض الدولار اللافت في لبنان... ما سر ما حدث؟

شهد سعر الدولار الأمريكي في لبنان اليوم الثلاثاء 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، انخفاضاً ملحوظًا أمام الليرة اللبنانية في السوق السوداء، في مطلع التعاملات الصباحية، وقد فاقت مكاسب الليرة بالمجمل خلال الأيام الماضية الـ 5000 ليرة.

وما زالت أسعار صرف الدولار الأمريكي في السوق السوداء تختلف من وقت لآخر وبين صراف وآخر، وقد تختلف الأسعار من مدينة إلى أخرى أيضاً.

ووصل سعر الدولار الأمريكي في لبنان بتعاملات السوق السوداء اليوم إلى مستوى 34800 ليرة، وذلك بعد أن سجل خلال الأيام الماضية 40500 ليرة للبيع و40600 ليرة للشراء لكل دولار أمريكي.

طبخة على نارٍ هادئة:

منذ أيامٍ، تشهد الساحة اللبنانية حركة أخبار كثيفة تروّج لسيناريو يحضَّر له من أجل خفض سعر صرف الدولار بالتزامن مع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، في خطوة يتعمّد حاكم مصرف لبنان "رياض سلامة"، القيام بها ضمن معركته مع "عون"، كما أكد تقرير حديث لصحيفة "العربي الجديد".

هذا الأمر أثار بلبلة في صفوف المواطنين الذين سارع الكثير منهم لبيع دولاراته على سعر مرتفع قبل انخفاضه، رغم تحذيرات خبراء الاقتصاد المستمرّة من أن مسار "النزول" مؤقت، ومخطَّط بهدف استنزاف مدخرات الناس.

وهذا المشهد، رغم تأكيد أوساط مصرفية عدم صحّته، بيد أن أحد معالمه تعزّزت من خلال التعميم الذي أصدره المصرف المركزي، والذي انعكس سريعاً على سعر صرف الدولار في السوق السوداء.

وأصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يوم الأحد بياناً أعلن فيه أن البنك المركزي سيقوم ومن خلال منصة "صيرفة" ببيع الدولار الأميركي حصراً ابتداءً من يوم الثلاثاء، لافتاً إلى أنه لن يكون شارياً للدولار عبر المنصة من حينه وإلى إشعار آخر.

رغبة البيع بسعر مرتفع قبل الهبوط تخلق طلبًا إضافيًا على الليرة:

يشهد سوق الصرافين حركة لافتة منذ أيام بالتزامن مع الأخبار التي يروَّج لها على صعيد انخفاض الدولار، بحيث يسارع مواطنون إلى بيع دولاراتهم بتسعيرات مرتفعة قبل نزوله.

مع علمهم أن أسعار السلع والمواد الغذائية، لن تسجل تراجعاً سريعاً، بحيث أن الدولار وإن انخفض إلى ما دون الـ40 ألف، بيد أن البضائع كلها ستبقى مسعَّرة على 41 ألف ليرة وما فوق، بذريعة أن الشراء تم على السعر الأعلى، وبانتظار استقرار السوق.

طباعة مليارات الليرات:

يقول الكاتب الاقتصادي "خالد أبو شقرا" لـ"العربي الجديد" إن "مصرف لبنان طبع خلال الفترة ما بين 15 سبتمبر/أيلول و15 أكتوبر/تشرين الأول حوالي 25 ألف مليار ليرة، بينما يتردّد أنه اشترى حوالي نصف مليار دولار".

ويرى أن ذلك هو ما أبقى مسار الدولار تصاعدياً رغم الصدمات الإيجابية التي شهدتها الساحة اللبنانية على رأسها اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل، وذلك نظراً للطلب العالي على الدولار في حين بقيَ العرض قليلاً، وكان من مصلحة الصرافين وشركات تحويل الأموال الذين يلمّون الدولارات لمصرف لبنان أن يبقى السعر مرتفعاً.

ويضيف "أبو شقرا": "مجرد قول مصرف لبنان الأحد بالتوقف عن شراء الدولار، توقع السوق تراجع الطلب مقابل ارتفاع العرض الأمر الذي ينعكس بانخفاض سعر الصرف، في ظل بيع الناس ما لديهم من دولارات".

لكن الكاتب الاقتصادي يرى أن مسار الانخفاض لن يطول، وحكماً سيعاود سعر صرف الدولار الارتفاع باعتبار أن كل المؤشرات الموضوعية ما تزال غائبة حتى الساعة.

ويشير "أبو شقرا" إلى أن التجارب في لبنان أثبتت أن كل الملفات متداخلة وتوظف بخدمة السياسة العامة ولا فصل بين السياسات سواء النقدية أو المالية أو "السياسية"، وقد يكون الغرض من العملية المفاجئة النية بتسريع ولادة الحكومة، وأيضاً قد تخدم المسار المرتقب لاعتماد سعر صرف 15 ألف ليرة لبنانية الذي كان أعلن عنه وزير المال في حكومة تصريف الأعمال "يوسف الخليل"، والمنتظر اعتماده في وقتٍ قريب، ربما مطلع الشهر المقبل.