مافيا المحروقات السوداء تتوسع في سوريا... كشف أطراف خفية مصلحتها استمرار الأزمة
يرى السوريون يوميًا كيف تتنامى وتتوسع مبيعات المحروقات في السوق الموازية بينما أنهم لا يحصلون على حصصهم من المحروقات المدعومة إلا بشق الأنفس، ويستغرب الكثيرون أيضًا من مبررات الحكومة التي تتحدث عن صعوبة توفير المحروقات وارتفاع تكاليفها بينما يستطيع تجار السوق الموازية توفيرها بكل سهولة ويسر.
في تفاصيل الموضوع، نشرت صحيفة "العربي الجديد" تقريرًا تناولت فيه الجوانب الخفية والأشد خطورةً من هذه الأزمة، مستشهدةً بكلام خبراء ومطلعين على خبايا السوق.
من يتحكم بالسوق السوداء للمحروقات؟
تقول الصحيفة إن رجال أعمال مقربون من الحكومة يتحكمون في الصفقات التي تجري عبر هذه السوق وتمتد إلى دروب دول مجاورة، على رأسها لبنان، الذي أضحى وجهة لمهربي المشتقات النفطية إلى سورية، فضلاً عن صفقات للمنفعة المتبادلة مع وقوات سورية الديمقراطية المعروفة بـ"قسد" والإيرانيين، التي تدخل أطراف فاعلة داخل سورية نحو تمرير حصص منها للسوق السوداء من أجل تحقيق مكاسب كبيرة.
وتستغل مافيا التهريب حالة الخوف التي تسيطر على السوريين من اقتراب الشتاء ونقص الكميات المطروحة في الأسواق، خاصة مع تقليص الحكومة الكميات المدعومة المخصصة للأسر، مما تسبب برفع الأسعار في السوق السوداء التي تصل إلى نحو ثلاثة أضعاف السعر الرسمي.
وفي العاصمة دمشق تباع المحروقات المهربة من لبنان على البسطات الممتدة على الطرق الرئيسية، بينما يجري العمل على تغيير صفات مميزة له حتى يمر إلى المستهلكين.
في هذا الصدد، يقول "محمد خضور"، الناشط في قطاع تجارة المحروقات في دمشق، إن جزءاً كبيراً من المشتقات النفطية المعروضة بالأسواق على مرأى الجهات الرقابية يأتي من لبنان ويُباع بعبوات المياه وغالونات صغيرة في شوارع العاصمة السورية، مثل كراج السومرية والبرامكة وسط دمشق.
شبكات ومافيات كبيرة:
يوضح "خضور" في معرض حديثه للصحيفة، أن شبكات تتبع الحكومة تقف وراء تهريب البنزين من لبنان، الذي يتميز بلونه الأخضر ويطلق عليه البنزين اللبناني ويباع الليتر منه بسعر 8500 ليرة سورية.
ويضيف أن العاملين الصغار مع شبكة المهربين يبتدعون طرق غش لتمريره إلى المستهلكين، كأن يضيفوا مواد كيميائية لتغيير لونه، لإيهام المستهلكين بجودته العالية.
ويؤكد أن تجارة المشتقات النفطية باتت الأكثر ربحاً في سورية، ولم يعد التربح منها يقتصر على الناشطين في شبكات التهريب وبيعها في الأسواق، وإنما دخل أصحاب محطات بيع الوقود في اللعبة، وذلك بشراء الكميات المدعومة المخصصة للأسر التي تستبدلها بالمال لشراء ضروريات الحياة، خاصة أن فارق السعر يكون كبيراً جداً، فالمحطات تشتري ليتر البنزين بسعر 2000 ليرة من المواطنين من أصحاب السيارات وتبيعه بنحو 7500 ليرة في السوق السوداء.
وبين الحين والآخر تعلن السلطات اللبنانية مصادرة شاحنات تحمل صهاريج من المشتقات النفطية في طريقها للتهريب نحو سورية. وتكشف مصادر في قطاع الطاقة بالعاصمة السورية دمشق، أن تهريب المحروقات، والبنزين والمازوت خاصة، من لبنان إلى سورية، نشط في الآونة الأخيرة بعد رفع الأسعار وتراجع عرض المواد بالسوق.
وتؤكد المصادر للصحيفة أن "الحدود بين البلدين مفتوحة في أكثر من نقطة في شمال شرق لبنان من ينطا ووادي العشاير ومحور شبعا مروراً بسلسلة لبنان الشرقية وعين زبد، وصولاً إلى البقاع الشمالي، كذلك هناك 11 معبراً غير شرعي بطول 22 كيلومتراً تساعد على التهريب من البقاع وحتى معبر القصير".
سوريا... من بلد منتج غني إلى مستهلك فقير للنفط:
يقول المتخصص في النفط والطاقة "عبد القادر عبد الحميد"، إن سورية تحولت من بلد منتج لنحو 380 ألف برميل يساهم فيه النفط بنحو 24% من الناتج المحلي و25% من عائدات الموازنة العامة وأكثر من 40% من الصادرات الإجمالية، إلى بلد مستورد لأكثر من 150 ألف برميل يومياً لتغطية احتياجات السوق المحلية.
ويشير "عبد الحميد" إلى تراجع إنتاج المناطق التي تسيطر عليها الحكومة إلى نحو 30 ألف برميل يومياً من آبار شرقي مدينة حمص وسط سورية، ما دفعها إلى استيراد نحو 20 ألف برميل يومياً من قوات سورية الديمقراطية "قسد" التي تسيطر على منابع الطاقة شمال شرقيّ سورية عبر وسيط، هو شركة "القاطرجي، إذ تضاعفت الكميات التي تزود "قسد" الحكومة بها بعد تجديد اتفاق التوريد في يونيو/حزيران الماضي، بينما لا يزال العجز اليومي بحوالي 100 ألف برميل، ما يدفع الحكومة نحو البحث عن مصادر خارجية لتوفير الإمدادات.
حيتان تنشط بالأسواق:
خلال اتصال هاتفي أجرته الصحيفة مع عضو في مجلس الشعب طلب عدم نشر اسمه، قال إن "هناك حيتاناً" تبحر في سوق المحروقات في سورية، منها "حسام قاطرجي"، الذي يدير شركة القاطرجي ويستجرّ النفط الخام من "قسد" بسعر لا يتجاوز 1500 ليرة ويبيعه للدولة بسعر 2700 ليرة.
ويضيف النائب أن "القاطرجي يبيع جزءاً من نفط قسد بالسوق السوداء لتجار يكررونه بمصافٍ بدائية ويبيعونه للمناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة".
يتابع قائلاً إن "الحوت الثاني، هو "صبحي عباس" (أبو مضر) الذي يمتلك نحو 30 محطة وقود بدمشق وريف دمشق، فهو أهم محتكري المشتقات النفطية، وتوسعت تجارته بعد أن دخل مجلس الشعب في الدورة الماضية عن ريف دمشق".
أطراف أخرى متعاونة مع إيران:
مع تشابك أطراف مافيا المحروقات التي تنشط في التهريب عبر الدروب الحدودية مع لبنان، أو مد أوصال التعاون النفعي مع قوات سورية الديمقراطية "قسد"، تبرز كذلك الأطراف الفاعلة في التعاون مع إيران.
ويقول عضو مجلس الشعب نفسه إن "لدى بعض اللجان في البرلمان معلومات وافية وأرقام عن نشاطات مافيا النفط، ولكن لا أحد يجرؤ على فتح الملف"، مشيراً إلى أن كميات معتبرة من الواردات الإيرانية تذهب إلى السوق السوداء، وخاصة المازوت.