ركود بسوق العقارات السورية وتكلفة البناء تتجاوز قيمته الرائجة في السوق

يشهد سوق العقارات في سوريا حالةً من الفوضى والتخبط، ومزيجًا من الغلاء والركود، لدرجة أن البعض اعتبره الشكل الأدق والتجسيم الفعلي لمشكلة الركود التضخمي التي يعاني منها البلد.

من جهة لدينا ارتفاع أسعار مواد البناء رغم انخفاضها عالميًا، ومن جهة أخرى لدينا مشكلة الركود والأسعار العشوائية التي توضع نتيجة غياب القياس الصحيح في السوق، وأخيرًا وليس آخرًا فقد وصل قطاع العقارات في البلد إلى مرحلة أن أصبحت تكاليف البناء أقل من قيمته الرائجة في السوق، مما يعني أن كل بناء جديد هو خسارة محسومة لصاحبة.

غلاء مواد البناء مسمار آخر في نعش العقارات:

يشير الخبراء في هذا الصدد، إلى وصول سعر الطن الواحد من الإسمنت في السوق السوداء إلى نحو 700 ألف ليرة، أما بالنسبة للحديد فقد ارتفع سعره هو الآخر بسبب انخفاض سعر صرف الليرة.

ويؤكد الخبير في الاقتصاد الهندسي "محمد الجلالي"، أن تدهور الليرة السورية خلال الفترة الماضية أدى إلى قيام تجار مواد الإكساء برفع أسعارها بنسبة تقارب 10 في المئة.

وبيّن الخبير، في حديثه لصحيفة محلية، أن النسبة الكبرى من تجارة العقارات اليوم هي لشقق سكنية قائمة، وأسعار هذه الشقق تعدّ أقل من الكلفة نتيجة لوجود العرض وقلة الطلب، مؤكداً أن الجمود في حركة بيع وشراء العقارات يتجه نحو الازدياد.

أسعار العقارات ليست مرتفعة... دخول الناس هي المنخفضة:

أوضح "الجلالي"، أن العروض موجودة لكن المشكلة أن المعروض أكثر من الطلب وهذا الأمر لاحظناه منذ مدة، مضيفاً أن الأسعار مرتفعة مقارنة بالدخل وهذا الأمر معروف وواضح لكنها ليست مرتفعة مقارنة بالتكاليف، فعلى سبيل المثال هناك عقارات معروضة للبيع كلفتها بحدود 300 مليون ومالكها يطلب سعر 150 مليون ليرة لبيعها لغاية السفر ويخفض سعره لعدم وجود مشترين.

ماذا عن المغتربين؟

سمعنا سابقًا عن نشاط وإيجابية في أسواق العقارات السورية بسبب دخول المغتربين على الخط، لكن ذلك لم يدم طويلًا، إذ أشار "الجلالي" إلى أن حركة شراء العقارات من قبل المغتربين موجودة لكنها تراجعت بسبب الوضع العام ونتيجة ارتفاع الأسعار العالمي، إذ إن ارتفاع الأسعار ليست ظاهرة موجودة فقط في سوريا وإنما هي ظاهرة منتشرة عالمياً.

ولفت إلى أن المغترب الذي كان يقوم بالتوفير من دخله لغاية الاستثمار في العقارات في سوريا أصبح معظم دخله يستخدمه لشراء مستلزمات معيشته اليومية نتيجة ارتفاع الأسعار العالمي.

وأكد أن تحسن حركة البيع والشراء مستقبلاً مرتبط بتحسن واقع البلد الداخلي والوضع العالمي، لافتاً إلى أنه مع تحسن الوضع العالمي من الممكن أن تتحسن حركة البيع والشراء باعتبار أنه سيصبح هناك إمكانية أكبر لتحسين حركة الشراء من قبل المغتربين وذوي الدخل المرتفع.

انخفاض نسبة البناء:

ينخر الركود في سوق البناء والعقارات السورية، بسبب العرض الكبير مقارنة بضعف الطلب الناتج عن انخفاض القدرة الشرائية للأفراد السوريين، نتيجة انخفاض الدخل وانخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار، حيث وصلت نسبة الانخفاض في البناء إلى 60 بالمئة، وباتت مقتصرة على الشركات العقارية الكبيرة.

وبحسب ما أكده رئيس نقابة البناء والإسمنت، "إحسان قناية"، لصحيفة “تشرين” المحلية، فإن السبب هو ارتفاع أسعار مواد البناء من الإسمنت والحديد والبلوك، ومواد الصحية والكهرباء بنسبة أكثر من 100 بالمئة، عما كانت عليه في العام الماضي، فيما ارتفعت بنسبة 15 بالمئة، في الأيام القليلة الماضية.

ووفقا لحديث "قناية"، فإن تكلفة طن الإسمنت الرسمي ارتفعت إلى 416 ألف ليرة، بدلا من 180 ألف ليرة في العام الماضي، في حين ارتفعت تكلفة طن الحديد إلى 3.5 مليون ليرة، بدلا من 225 ألف ليرة، كما أن تكلفة اليد العاملة قد زادت أيضا بسبب غلاء المعيشة، حيث وصلت يومية العامل المساعد إلى 18 ألف ليرة.

وتابع قائلًا: "بينما تبلغ يومية المعلم 50 ألف ليرة، حتى إن أجور النقل زادت أضعافا، فقد كان عامل الصحية يستقل سيارة لنقل العمال من مركز المدينة إلى الريف بتكلفة 10 آلاف ليرة، أما اليوم فأجرتها أكثر من 50 ألف ليرة".

وقال أحد مالكي مكاتب العقارات في جرمانا، إن الإجراءات التي اتُخذت فيما يتعلق بعمليات الشراء والبيع (قانون بيع العقارات)، أثّرت بشكل كبير على سوق العقارات بسبب أوضاع التحويلات المالية والمصرفية والموافقات الأمنية، واللجان التي أنشئت لتحديد متوسط أسعار المنازل في كل منطقة.

فبالإضافة إلى مواد البناء الباهظة الثمن، ليدنا مشكلة الإكساء الذي قد تصل تكلفته إلى 600 ألف ليرة للمتر المربع، لذا يفضّل المغترب شراء المنازل في مناطق إقامته، بعد مقارنة الأسعار ببلاد الاغتراب فيجد أن السعر ذاته، وعليه فقد تأثر هذا السوق بسبب عزوف بعض المغتربين عن الشراء نهائيا، على حد قول صاحب المكتب العقاري، في تصريحات صحفية سابقة.