هل يعود بيتكوين للازدهار مجددًا؟
هبط سعر عملة البيتكوين خلال الأيام الماضية إلى ما دون 19 ألف دولار، وبذلك تكون العملة الرقمية الأولى على العالم من حيث القيمة السوقية تراجعت بنسبة 60% منذ أن سجلت أعلى مستوى لها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
تسبب هذا التراجع بإعادة إحياء الجدل المعتاد، حول إذا ما كان سيكتب لهذه العملة وعالم العملات الرقمية عمومًا الازدهار مجددًا أم أنها النهاية هذه المرة.
في هذا الصدد نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" (Financial Times) البريطانية، مقالًا الكاتب "ديفيد هيندلي"، ابتدأ فيه موضحًا أن مالكي هذه العملة المشفرة اعتادوا على الطبيعة المتقلبة لهذه الصناعة.
ثم تطرقت الصحيفة إلى فترات الازدهار والانهيار التي شهدتها عملة البيتكوين سابقا، لمعرفة إذا ما كان التاريخ يعيد نفسه.
الازدهار والكساد الياباني:
من أبريل/نيسان 2017 إلى مارس/آذار 2018
قبل عام 2017، كان يتم تداول البيتكوين بأقل من ألف دولار. ولكن في رأس السنة الجديدة لعام 2017، تجاوزت قيمة هذه العملة المشفرة عتبة الألف دولار ووصلت إلى 20 ألف دولار قبل نهاية العام.
كان هذا الازدهار بفضل اندفاع المستثمرين أولا في اليابان، ثم في كوريا الجنوبية. وبعد أن أذنت اليابان بالتداول في 11 بورصة تشفير في أبريل/نيسان 2017، استأثرت البلاد بنحو 40% من نشاط التداول اليومي في جميع أنحاء العالم. لكن سرعان ما تبع هذا الازدهار فترة انهيار.
شتاء البيتكوين الأول:
من مارس/آذار 2018 إلى مايو/أيار 2019
بين مارس/آذار 2018 ومايو/أيار 2019، تم تداول البيتكوين بسعر أقل من 10 آلاف دولار، وهذا ما دفع العديد من النقاد والمنظمين للتشكيك في مستقبلها. فعلى سبيل المثال، كان التجار والمؤسسات في لندن حذرين بشأن التعامل مع العملات المشفرة، بسبب مخاوف من الاحتيال والجرائم المالية ومخاطر السمعة الأخرى.
أثارت معاملات البيع التي نفذها حيتان البيتكوين أوائل عام 2018 مخاوف بشأن تأثير كبار المستثمرين على سعر العملة المشفرة. وفي أبريل/نيسان 2018، احتوت حوالي 1600 محفظة بيتكوين على نحو ثلث جميع عملات البيتكوين المتاحة، ومن بينها نحو 100 محفظة برصيد أكثر من 10 آلاف بيتكوين.
تعمق شتاء العملات الرقمية مع إنشاء إصدارات جديدة من البيتكوين، مما أدى إلى تراجع سعرها إلى أدنى مستوى له منذ بداية عام 2017.
ثم في يونيو/حزيران من العام نفسه، حصلت عملة البيتكوين على دفعة إيجابية من فيسبوك عندما كشفت -أكبر منصة تواصل اجتماعي في العالم- عن خططها لإطلاق عملتها الرقمية الخاصة "ليبرا" (Libra).
ومع أن خطة ليبرا ظلت مجرد حبر على ورق، إلا أن الأخبار التي أفادت بأن فيسبوك تخطط لدخول هذا القطاع زادت الثقة في استدامة البيتكوين.
طفرة الجائحة:
من أكتوبر/تشرين الأول 2020 إلى أبريل/نيسان 2021
بعد الصدمة الأولى التي تلقاها هذا السوق جراء تفشي جائحة كورونا، بدأت عملة البيتكوين الارتفاع مجددا على إثر إعلان شركة "باي بال" (PayPal) السماح للمستخدمين بالاحتفاظ بالعملات المشفرة.
وخلال فترة الإغلاق والجائحة، بدأ مستثمرو التجزئة في المراهنة على ارتفاع عملة البيتكوين. وخلال 6 أشهر، تضاعفت قيمتها من أقل من 12 ألف دولار إلى أكثر من 63 ألف دولار.
لفت الصعود الحاد لهذه السوق انتباه المستثمرين المؤسسين، وبلغت هذه الموجة الصعودية ذروتها مع الطرح العام الأولي لمنصة "كوين بيز" (CoinBase)، أكبر بورصة تشفير، التي افتتحت بتقييم يقارب 76 مليار دولار في بورصة ناسداك أبريل/نيسان 2021.
لكن مرحلة الصعود لم تدم طويلا؛ إذ حظرت الصين تعدين العملات المشفرة واستخدام أجهزة الحاسوب لحل المعادلات لكسب العملات المشفرة في سبتمبر/أيلول 2021، ثم أثارت الولايات المتحدة وأوروبا مرة أخرى توقعات بشأن إصدارها لوائح تنظيمية.
أخيرًا: أزمة البيتكوين مع هبوط أسواق الأسهم
يوليو/تموز 2021 حتى اليوم
في أكتوبر/تشرين الأول 2021، تنامت شعبية هذه العملة المشفرة مع إطلاق صناديق المؤشرات المتداولة، مما أتاح للمستثمرين متابعة أسعارها من دون الاحتفاظ بأي عملة بيتكوين بشكل مباشر. بعد أيام من استئناف صناديق المؤشرات المتداولة نشاطها، وصلت عملة البيتكوين إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق وهو 69 ألف دولار.
وبعد تلك القمة التاريخية يمكن القول إن البيتكوين لم تعد تعرف إلا الهبوط، مع تصحيحات طفيفة على المستوى اليومي.
هل تعود عملة البيتكوين إلى أيام مجدها؟
يقول الكاتب إن المدافعين عن البيتكوين يؤكدون أنها وسيلة تحوط ضد التضخم والتقلبات التي تشهدها الأسواق الأخرى.
كانت الطفرات السابقة للبيتكوين مدعومة من صغار المستثمرين الذين دخلوا السوق على أمل تحقيق ربح وفير خلال فترة وجيزة. وقد حدثت الانهيارات اللاحقة عندما أعرب المنظمون أو السوق الأوسع عن مخاوفهم بشأن المخاطر التي تشوب هذا القطاع وأثاروا قلق حاملي عملات البيتكوين بشأن طرق صرف أموالهم.
حسب "كاتي مارتن"، كاتبة عمود في فايننشال تايمز، فإن عملة بيتكوين هي "أكثر الأصول المضاربة على هذا الكوكب، وربما حتى الأكثر مضاربة على الإطلاق".
ويختتم الكاتب بالقول إنه لا يزال من غير الواضح إلى حد كبير كيف ستنجح أي لوائح تنظيمية في سياق سوق العملات في مواكبة الواقع العملي لهذه الصناعة. ولكن إذا نجح المنظمون في صياغتها، فسوف يساعدون صناعة العملات المشفرة على بناء المزيد من الثقة، وربما في نهاية المطاف تحقيق بعض الاستقرار.
وللبحث عن إجابة أفضل عن هذا السؤال ننتقل إلى مقال موقع "المعهد الأميركي للبحوث الاقتصادية"، للكاتب "جيرالد دواير" الذي رد فيه على ادعاءات بخصوص أن ما يحدث في سوق العملات المشفرة يذكر بفقاعة الإسكان وأزمة الرهن العقاري.
وقال إنه رغم وجوب الحذر من قبل المستثمرين، فإن ادعاءاتهم مبالغ فيها بعض الشيء وليست الأولى من نوعها بشأن هذه الصناعة.
ويتساءل الكاتب قائلا من الصعب معرفة ماذا ستكون فائدة هذه الأصول بعد 20 عامًا في المستقبل أو حتى قبل ذلك، وثانيًا تكشف هذه المقارنة أنه من الخطأ اعتقاد أن التكنولوجيا الحالية لن تتغير، ففي الحقيقة هي ستتغير كثيرًا وبشكل كامل كما تغيرت تكنولوجيا الكمبيوتر. فعلى سبيل المثال، يقع العمل على تغيير بروتوكول بيتكوين الذي يُعرف باسم "تابروت" (Tabrot) لتمكينه من إجراء عقود ذكية.
ويقول الكاتب إن العقود الذكية يمكنها تنفيذ عمليات نقل الأصول تلقائيًا، ويمكن استخدامها عندما تكون الأطراف المتعاقدة مجهولة المصدر، وهو أمر يصعب القيام به من دون التنفيذ التلقائي الموثوق به، حيث يتم استخدامها الآن في بعض المعاملات ومن المحتمل العثور على استخدامات جديدة في المستقبل.
ويشير الكاتب إلى أنه من الممكن خسارة الأموال وحتى مدخرات الحياة التي يتم استثمارها في العملات المشفرة على أمل تحقيق مكاسب، مؤكدًا أنه ليس من الحكمة استثمار المدخرات في العملات المشفرة، مقترحًا ألا يتجاوز الاستثمار 1% من الأموال القابلة للاستثمار في الأصول المشفرة، لكن بدلا من ذلك ينصح الخبراء بتنويع المحفظة الرقمية.
وحسب الكاتب، رغم تداعيات التحذير المنتشرة الآن بقوة من خطر تداول العملات المشفرة واحتمال حدوث انهيار غير مسبوق، فإنه يرى أنه من المحتمل أن تكون تلك العملات مفيدة جدًا لتسوية المعاملات بشكل أسرع مما هو ممكن اليوم، ويمكن استخدامها في العديد من الأنشطة الأخرى.
ويشدد الكاتب على أن الأصول المشفرة من المرجح أن يكون لها مستقبل مشرق.