حين اتحد العالم ضد الدولار... ما هو اتفاق بلازا وهل يمكنه إنقاذنا اليوم؟

من الواضح أن الدولار القوي بات سمًا يتجرعه العالم أجمع بشكل بطيء، ففي وقتنا الحالي لم يعد الأمر هامًا إذا كنت حليفًا للأمريكان أو عدوًا لهم حتى ترى آثار صعود الدولار ورفع الفائدة عليه واضحةً جليةً في بلدك.

ومؤخرًا باتت اليابان أحدث دولة كبرى تدخل مباشرة في نزاع العملات الأجنبية، حيث التحقت ببلدان بداية من الهند وصولاً إلى تشيلي التي كانت تستغل مخزوناتها من الدولارات للنضال ضد قوة الدولار.

وهنا يتساءل البعض، هل حصل أمرٌ كهذا في الماضي، ولماذا لا تتعاون الدول على مصلحة مشتركة لردع الدولار القوي؟!

الجواب هو نعم حصل ذلك في الماضي، وتم التعاون بين دول عديدة وفقًا لاتفاق بلازا.

ما هو اتفاق بلازا؟

كان اتفاق بلازا التاريخي لعام 1985، الذي تم توقيعه في فندق بلازا في مدينة نيويورك، بمثابة اتفاقية داعمة للنمو وقعتها ما كانت تعرف آنذاك باسم دول مجموعة الخمس: ألمانيا الغربية وفرنسا والولايات المتحدة واليابان والمملكة المتحدة، وكان الغرض من ذلك هو إجبار الولايات المتحدة على خفض قيمة عملتها.

واضطرت الولايات المتحدة إلى إعادة تنظيم نظام سعر الصرف بسبب الاختلالات الحاصلة، وتعزيز النمو في جميع أنحاء العالم على حساب بلدها، وقضت اتفاقية بلازا بنقل النمو لأوروبا واليابان التي كانت ضارة بالكامل للولايات المتحدة.

هل تحصل اتفاقية بلازا جديدة؟

بينما تذكّرنا مشكلات أسواق العملات حالياً من جهات كثيرة بفترة الثمانينيات من القرن الماضي، فليس من المرجح أن تكون الحلول على هذا النحو. في ذلك الوقت، اتفقت القوى العالمية الاقتصادية العظمى على التصدي لمشكلة استمرار قوة الدولار بتناغم كامل، إذ توصلت إلى اتفاقية في 1985 بجانب اتفاقية بلازا.

أما بالوقت الراهن، يوجد القليل من الدلائل على أن مثل هذا الاتفاق سيكون وشيكاً في ظل تنافر المصالح الاقتصادية الوطنية وانقلاب مسار التحول على مدى عقود عديدة صوب تكامل عالمي أكبر للاتجاه المعاكس.

في هذا الصدد، يقول الخبير الإستراتيجي "فيراج باتيل"، إن التنسيق وفقاً لأسس اتفاق بلازا جديد سيتطلب مشاركة الإدارة الأميركية، ويوجد "احتمال قريب من 0% لتدخل وزارة الخزانة الأميركية حالياً لإضعاف الدولار، ويوجد كثير من المؤلفات التي تبيّن أن التعويل على أمر غير واقعي في سوق العملات الأجنبية يُعدّ ممارسة عقيمة عندما يكون للسياسة النقدية أثر عكسي".

ضغوط الضخم تتطلب حلولًا أكثر جدية:

يفاقم تراجع قيمة جميع العملات، بداية من اليورو وصولاً إلى الوون الكوري الجنوبي، ضغوطات التضخم المتنامية أساسًا في كافة أنحاء العالم، ما يضطر العديد من صناع السياسة النقدية إلى استخدام أدواتهم النقدية بقدر أكبر.

وفي هذه الأثناء، تستمر الصين، ثاني أكبر اقتصاد حول العالم، بتدعيم دفاعها ضد الدولار من خلال مثبتات أقوى من المتوقع في أسواق العملات الأجنبية.

وتدرس البنوك المركزية بغالبية مناطق العالم -مع بعض الاستثناءات منها اليابان- زيادة أسعار الفائدة في الوقت الذي تتصدى فيه لصعود أسعار المستهلكين وتراجع قيمة العملات الأجنبية.

إجراء هو الأول من نوعه منذ عقود... كيف ستنجو اليابان بدون زيادة الفائدة؟

تحدث المسؤولون بطوكيو في السابق عن مخاوف تتعلق بسوق العملات الأجنبية فقط، لكنهم كثفوا من كفاحهم الخميس عبر التدخل مباشرةً لدعم سعر صرف الين لأول مرة منذ عقود.

جاء ذلك في وقت خالف فيه البنك المركزي الياباني الاتجاه العالمي صوب تشديد السياسة النقدية وحافظ على استمرار تكاليف الاقتراض الرسمية منخفضة. إذ تنضم اليابان لمجموعة متزايدة من البلدان التي تبنت تدابير مباشرة بأسواق الصرف الأجنبي، بما فيها تشيلي وغانا وكوريا الجنوبية والهند.

كما قال البنك المركزي في سويسرا في قراره المتعلق بالسياسة النقدية الخميس الماضي إنه على استعداد للتدخل بسوق العملات الأجنبية إذا تطلب الأمر ذلك.

اقتصاد العالم حاليًا: أنا ومن بعدي الطوفان

قال خبير الأسواق منذ ثلاثة عقود "جورج بوبوراس"، إن العالم دخل حاليًا في سيناريو" كل رجل يتحمل مسؤولية لنفسه"؛ لأن القوى العظمى باتت أشد انقساماً حالياً مما كانت عليه بفترة الثمانينيات من القرن الماضي، وتُعدّ فرص التنسيق العالمي لإضعاف الدولار قريبة من مستوى الصفر، و "نتوقع مشاهدة المزيد من حروب العملات في الاتجاه المعاكس".

يتمثل أحد الاختلافات الجوهرية عن فترة الثمانينيات من القرن الماضي في الحجم الهائل لتداول العملات الأجنبية حالياً، إذ بلغ متوسط ​​حجم التداول اليومي 6.6 تريليون دولار حينما أُجري أحدث مسح يقوم به كل 3 أعوام بنك التسويات الدولية في 2019. ويفوق ذلك 5.1 تريليون دولار تحققت قبل ذلك بـ 3 أعوام فقط ويتجاوز بصورة هائلة ما كان عليه في 1986 عندما بدأ بنك التسويات الدولية هذا النوع من المسح للنشاط.

وعلى عكس فترة الثمانينيات من القرن الماضي، فإن اليابان مصممة على الإبقاء على سياسة نقدية فائقة التيسير. إذ أكد حاكم بنك اليابان المركزي "هاروهيكو كورودا" على عدم وجود زيادة لأسعار الفائدة قيد الإعداد، وأن الدليل التوجيهي الخاص بالسياسة النقدية في المستقبل لن يشهد تغيراً بالوقت الراهن، وحتى على مدى سنتين أو 3 سنوات مقبلة من الناحية المبدئية.

يعني ذلك أن التدخل المباشر ربما يتجاوز قليلاً بالنهاية مجرد إجراء بائس رغم أن لديها قدرة قتالية في احتياطياتها من النقد الأجنبي أكثر مما كان لديها أخر مرة تحركت فيها لتدعيم سعر صرف الين.

أوروبا والصين هل تتفقان ضد الدولار؟

على صعيد أوروبا، تضرب أزمة الطاقة والحرب في أوكرانيا اقتصاد المنطقة، ما قد يحول دون قدرة البنك المركزي الأوروبي على مواكبة مسار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لزيادة أسعار الفائدة.

لكن، يقول المشاركون في السوق إنه يوجد أسباب جوهرية أخرى تجعل الاتفاق العالمي للحد من قوة الدولار بمثابة تفكير حالم.

وتُعدّ الصين حالياً أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة واليابان ودول عديدة بكافة أنحاء أوروبا. لذا من المحتمل أن يكون الاتفاق بدون مشاركة بكين غير فعال.

وبينما يواجه اليوان ضغوطًا في مقابل الدولار وتستند الحكومة هناك في مواجهة الضعف إلى عمليات تثبيت العملة، فإنها بعيدة تماماً عن المستويات المتأزمة التي تحتاج إلى التعاون على صعيد دولي. واقعياً، نظراً إلى أنها قصة ترجع بصورة كبيرة لقوة الدولار، فإن اليوان يُتداول حقيقة حول أعلى مستوياته التاريخية مقابل بعض نظرائه الآسيويين الكبار.

والأكثر أهمية من ذلك أنه يوجد غياب واضح للتأييد الأميركي لكبح صعود سعر صرف الدولار.