صناعة السوق السوداء في سوريا... الخبز والمازوت مثال وهذا ما يحدث وراء الستار

يكثر الحديث عن السوق الموازية أو السوداء في سوريا بشكل سلبي، ويعتبرها الناس صورة مجسمة للتجارة بأزمات المواطنين واستغلالهم، لكن السؤال يبقى كيف تُصنع السوق السوداء ومن أين تحصل على الدعم والسلع؟

في التقرير التالي سنجيب على هذا السؤال، ضاربين المثال بمادتين أساسيتين هما الخبز والمحروقات:

السوق الموازية (السوداء) للخبز:

في ريف دمشق يشتكي الناس من تلاعب معتمدي الخبز ببيع المخصصات، من خلال تخفيض حصص المواطنين من ربطات الخبز واختصار الزيادة لمصلحتهم بهدف بيعها في السوق السوداء بأسعار مضاعفة تتراوح بين 1000 و1500 ليرة، علماً أن سعر الربطة عبر البطاقة الذكية 250 ليرة.

في هذا الصدد، نقلت صحيفة "الوطن"، المقربة من الحكومة عن مستهلكين أن "جميع معتمدي بيع الخبز في ريف دمشق أصبحوا يبيعون الربطة بسعر 500 ليرة (أي بضعف سعرها الرسمي).

كما اشتكى مواطنون في حي الزاهرة بريف دمشق أنهم "لا يستطيعون الحصول على كامل مخصصاتهم من مادة الخبز عبر البطاقة حيث يقوم المعتمد ببيع المستهلك فقط ربطتين من أصل 3 أو أربع ربطات من حصتهم وخصوصاً يوم الخميس".

وفي جرمانا قال مستهلكون إن "بعض المندوبين أصبحوا يعتبرون أنفسهم أصحاب سلطة يتحكمون من خلال الخبز برقاب المستهلكين فلا موعد ثابتاً للحصول على الخبز من المعتمد ولا تسعيرة معلنة، يضاف إلى كل ذلك أن المعتمدين أصبحوا يعتمدون جملة (سكر الجهاز) في دليل على أن كمية الربطات المفترض قطعها على الجهاز قد اكتملت لدى المعتمد، في حين أن عشرات الربطات لا تزال في مكانها من دون بيع".

وأضاف المستهلكون أن "هذه الربطات المتبقية تم قطعها من مخصصاتهم وبالتالي أصبحت من حق المعتمد الذي يقوم ببيعها بالسعر الحر للمستهلكين أو لأحد المطاعم المتفق معها".

كيف يأتي المازوت إلى السوق السوداء؟

أولًا: موزعو مازوت التدفئة

يعتبر المصدر الأول لمازوت السوق الموازية، موزع المازوت المعتمد من قبل شركة المحروقات نفسه، الذي يوزّع المادة المدعومة على المواطنين بموجب الرسائل، ويقوم إما بسحب من 2 – 5 ليترات من كل حصة عبر التلاعب بالعداد وهذا ما أكدته ضبوط وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.

وبعضهم ينقص الكمية الموزعة دون التلاعب بالعداد عبر إغلاق الصنبور قبل حصول المواطن على حصته كاملة بكمية قد لا تبدو واضحة ضمن البراميل أو "البيدونات"، لكنها تحقق وفراً بمئات الليترات يومياً تعود أرباحها لصاحب الصهريج.

ويحصل الموزعون على مزيد من المازوت بشرائهم لها من الراغبين ببيع مخصصاتهم، حيث يقومون بعرض شراء الكميات منهم عبر الهاتف ويتفقون على السعر، ثم يأتي الراغب بالبيع لقطع مخصصات البطاقة الذكية، ويحصل على المبلغ المتفق عليه.

وهناك أسلوب آخر لحصول موزعي المازوت على كميات إضافية للتجارة بها، وهو خلط المادة بالماء ما يزيد من الكميات في الصهريج، وبعد تعبئة مخصصات الرسائل، يباع كل ما يزيد في الصهريج بسعر السوق السوداء.

ثانيًا: تجار البطاقات

عدا عن موزعي المازوت، هناك تجار من نوع آخر، يقومون بشراء البطاقات ممن يرغبون ببيع مخصصاتهم، ويقومون بتعبئتها من المعتمدين ثم يبيعونها بالسوق السوداء.

ثالثًا: أصحاب الرسائل دون وسيط

يقوم بعض من يحصلون على مخصصات التدفئة ببيعها عبر الإنترنت بأعلى سعر، أو بتحديد السعر الذي يرغبون به، وبهذه الحالة لا يوجد سعر وسطي، بل تكون العملية غالباً أشبه بمزاد يرتفع وينخفض تبعاً للطلب والراغبين، وحاجة صاحب الكميات.

رابعًا: أصحاب المخصصات الصناعية والحرفية

يحصل هؤلاء على مازوت بسعر مخفض أو مدعوم، وتقوم شركة BS التابعة لمجموعة قاطرجي ببيعه لهم، ولكل منشأة مخصصات معينة تبعاً لعملها وطبيعته وحجمها وعدة عوامل أخرى، ويقوم بعضهم بالحصول على مخصصات أكثر بأضعاف مما يحتاجون إليه، ويبيعونها في السوق السوداء لصناعيين آخرين محتاجين.

ويحصل هؤلاء على مخصصات أكبر من حاجتهم، إما لأنهم مسجلين كأصحاب منشآت وصناعيين وهم ليسوا كذلك، أو عبر تغيير طبيعة الحرفة التي قد تكون ليست بحاجة للمازوت، أو قاموا بتقديم الرشاوى للجان التي كشفت على المنشآت لتحدد احتياجاتها على أنها ضخمة، وفي المقابل هناك صناعيون وحرفيون لا يحصلون على 10 – 25 في المئة من حاجتهم بالسعر الرسمي، لذلك يقومون بالشراء من السوق السوداء.

خامسًا: شركة BS قاطرجي

هي الشركة الخاصة الوحيدة التي تتاجر بالنفط في سوريا، علماً أن القوانين والمراسيم تحصر تجارة النفط بيد الحكومة، وهي قادرة على إغراق السوق السوداء بالمازوت لأنها الوحيدة التي تقوم باستيراده وتمريره من الدول المجاورة وحتى من مناطق شرقي الفرات الخارجة عن سيطرة الحكومة، لكن لا يوجد أي تقارير تثبت ذلك حتى الآن.

سادسًا: التهريب

يقوم بعض القادمين من لبنان، أو السائقين بين بيروت ودمشق، وحتى المقاتلين الذين يتنقلون بين البلدين، بالتجارة بالمهربات ومنها المحروقات سواء بنزين أو مازوت.

سابعًا: سائقوا السرافيس

منهم من لا يعمل، ويقوم ببيع مخصصاته بالكامل في السوق السوداء ليحقق عائدا جيدا أفضل من العمل على السرفيس، بينما يعمل بعضهم الآخر ساعات قليلة فقط في اليوم، أو لا يقوم بتخديم الخط كاملاً لتوفير المازوت وبيعه أيضاً. ومعظم السرافيس تبيع مخصصاتها للصناعيين والحرفيين كونهم بحاجتها يومياً.

ثامنًا: الكازيات

يقوم عاملو الكازيات باقتطاع كميات من مخصصات السرافيس عند التعبئة، أو يتلاعبون بالاحتياطي.

تاسعًا: سائقو صهاريج النقل الضخمة بين المحافظات

يقوم هؤلاء بالتلاعب بكميات المادة عبر خلطها بالماء، أو حيل أخرى لها علاقة بحجم المادة عند القياس من قبل الجهات الرقابية.