ليس النفط ولا الغاز... أوروبا تعمل على تخزين احتياطيات ضخمة من معادن المستقبل النادرة
كشف الاتحاد الأوروبي، يوم أمسٍ الخميس، عن اعتزامه بناء "احتياطات استراتيجية" لتجنب تعطل إمدادات المواد الخام الحيوية لصناعته، لا سيما المعادن النادرة والليثيوم الذي تتحكم الصين بعرضه في العالم.
وفي معرض حديثها بهذا الخصوص، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، "أورسولا فون دير لاين"، أمام البرلمان الأوروبي إن "معالجة نحو 90% من المعادن النادرة و60% من الليثيوم تجري في الصين... سنحدد المشاريع الاستراتيجية على طول سلسلة التوريد من التعدين إلى التكرير، ومن المعالجة إلى إعادة التدوير، وسنقوم ببناء احتياطات استراتيجية حيث تبدو الإمدادات مهددة".
ما هي قصة المعادن النادرة ولما قد تكون قريبًا أكثر أهميةً من النفط والغاز؟
في هذا الصدد، يكتب الدكتور "ثامر محمود العاني"، أستاذ الاقتصاد القياسي ومدير إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية:
إن التنافس الاقتصادي على المعادن النادرة ليس محصوراً بين أميركا والصين، وإنما يمتد ليشمل قوى دولية مهمة مثل أوروبا.
التكنولوجيا الحديثة بمنتجاتها المتطورة أضفت أهمية خاصة لبعض الثروات المعدنية الكامنة في باطن الأرض التي تعرف بالمعادن الأرضية النادرة، حيث اعتمدت عليها اعتماداً كلياً، فقد أضحى من المستحيل أن يكون لدينا أحد هذه المنتجات التكنولوجية دون استخدام مثل هذه المعادن. فهي تُستخدم في كل شيء بدءاً من الصواريخ مروراً بتوربينات الرياح، والأجهزة الطبية، والأدوات الكهربائية، والهواتف المحمولة، وصولاً إلى محركات السيارات الهجينة والكهربائية.
وقد يكون من الممكن الحصول على مثل هذه المعادن النادرة في مختلف أنحاء العالم، إلا أنه من الصعوبة بمكان أن يوجد في الدول احتياطيات بكميات عالية، أو أن تكون لديها القدرة على استخراج هذه المعادن وتطويرها وتوسيع استخداماتها، هذا ما جعل التنافس للسيطرة عليها وتملكها يكاد ينحصر بين القوى الأقوى اقتصادياً؛ الصين وأميركا وأوروبا.
وإن كانت الكفة أكثر ترجيحاً للصين، كونها هي القوة المهيمنة على سوق هذه المعادن والمتحكمة في سلاسل التوريد؛ فهي أكبر منتج وأكبر مصدر ولديها أكبر احتياطي من المعادن النادرة. إذ يُقدر حجم إنتاجها عام 2020 بنحو 140 ألف طن بنسبة 58 في المائة من الإنتاج العالمي المُقدر بنحو 240 ألف طن، فضلاً عن امتلاكها احتياطياً يُقدر بنحو 44 مليون طن من إجمالي الاحتياطي العالمي المُقدر بنحو 120 مليون طن طبقاً لتقديرات عام 2020.
دفع هذا أميركا لتكثيف جهودها لإنهاء الهيمنة الصينية على سوق هذه المعادن، من خلال اتخاذ خطوات واسعة للنهوض بسلسلة توريد المعادن الأرضية النادرة، وتطوير بدائل لتعدين هذه العناصر، إذ يبلغ الإنتاج الأميركي من هذه المعادن نحو 38 ألف طن متري بما يشكل 16 في المائة من إنتاجها.
إن مفهوم المعادن الأرضية النادرة لم يكن مألوفاً لدى غير المتخصصين في مجالات الأحياء والكيمياء والجيولوجيا والهندسة، ولكن مع ظهور التكنولوجيا الحديثة، اكتسبت هذه المعادن زخماً كبيراً بسبب خصائصها الفريدة واستخداماتها المهمة، إذ تشير هيئة المسح الجيولوجي الأميركية إلى أنها وفيرة نسبياً في القشرة الأرضية، إلا أنه نظراً لطبيعة الاختلاف بين هذه النوعية من المعادن والمعادن الأخرى ترجع إلى كونها أكثر صعوبة في التعدين، من هنا جاءت تسميتها بالنادرة، لأن احتمال وجودها بتركيزات عالية بما يكفي للاستخدام الاقتصادي، ضئيل، كما أن عمليات استخراجها ومعالجتها وتكريرها شديدة الصعوبة.
وتشمل قائمة هذه المعادن النادرة 17 عنصراً تنقسم إلى مجموعات فرعية خفيفة وثقيلة على أساس أوزانها الذرية، هي: اللانثانوم، والسيريوم، والبراسيوديميوم، والنيوديميوم، والبروميثيوم، والسماريوم، واليوروبيوم، والغادولينيوم، والتربيوم، والديسبروسيوم، والهولميوم، والإربيوم، والثوليوم، والإيتربيوم، واللوتيتيوم، والسكانديوم، والإيتريوم.
تكتسب هذه النوعية من المعادن أهميتها من دخولها في كثير من الصناعات للسلع التكنولوجية، وحتى أبسط هذه المنتجات تحتوي على عناصر أرضية نادرة، كما يتجلى استخدام هذه المعادن في السيارات الحديثة، وهي أحد أكبر مستهلكي منتجات المعادن النادرة، كما تستخدم في العشرات من المحركات الكهربائية، بالإضافة إلى ذلك، فإن وسائل الإعلام وأجهزة الاتصال الحديثة - الهواتف المحمولة وأجهزة التلفزيون وأجهزة الكمبيوتر - تستخدم جميعها عناصر معدنية نادرة.
وفي ظل التنافس الاقتصادي حول الهيمنة على سوق المعادن الأرضية النادرة، تبرز الأزمة في ميانمار كنموذج للصراع، خاصة في ظل ما تتمتع به ميانمار من مكانة متميزة في سوق صناعة هذه المعادن النادرة، إذ تحتوي على نصف الخامات الأرضية النادرة في العالم، ويتم تصدير ثروتها المعدنية النادرة الثقيلة إلى الصين؛ لاستخراجها ومعالجتها، ثم يتم تصديرها إلى العالم، وذلك نظراً للقرب الجغرافي من الصين من ناحية، والتقارب العقائدي بينهما، فضلاً عن مساحة الاندماج الكبيرة بين الصين وميانمار، وهو ما دفع الصين إلى الحرص على إبعاد النفوذ الأميركي عن ميانمار، حيث تعد مصدراً رئيساً لواردات الصين من هذه المعادن.