أسلوب جديد لتجارة العملة والمضاربة بالدولار في لبنان... أرباح مجزية بدون أدنى تعب

اخترع اللبنانيون طريقةً جديدة للتكسب من وراء الفروقات بأسعار الصرف بين مختلف الجهات التي تتعامل بالدولار في البلاد، وعلى الرغم من أنها لاقت انتشارًا بالدرجة الأولى بين التجار لكن مختلف فئات الشعب من الموظفين وغيرهم وجدوا طريقهم لعدم "الخروج من المولد بدون حمص".

تجارة فريدة من نوعها:

بدأ الأمر من منصة "صيرفة " الرسمية التي أنشأها المركزي اللبناني لكبح الارتفاع المتفاقم لسعر صرف الدولار وتأمينه بسعر أقل من سعر السوق الموازية (السوداء)، حتى يتمكن التجار من دفع ثمن مشترياتهم المستوردة من الخارج بسعر مدعوم.

ومختصر الأمر أن المواطن المخول للحصول على الدولار من منصة "صيرفة"، يكسب الفارق من ثمن الدولار المدعوم عندما يعمد إلى بيعه في السوق السوداء بفارق يتراوح ما بين 6 و7 آلاف ليرة للدولار الواحد، لذلك فقد عُرفت هذه التجارة الحديثة بـ"تجارة صيرفة".

بالنسبة للموظفين فإن العملية تنفذ مرة واحدة في الشهر وبسقف مبلغ محدد لكل مواطن في القطاع العام لأن راتبه محدود، فيحد قليلا من انهيار قيمة راتبه بتعويض معقول.

أما كبار التجار فقد يتخطى ربحهم الصافي عدة آلاف من الدولارات بحسب سقف المبالغ المالية التي بحوزتهم، والتي يمكنهم شراء الدولار المدعوم بها من منصة "صيرفة" الرسمية، وفق ما قاله تاجر أقمشة في بيروت لوكالة إعلام عربية شهيرة التقت به.

المصارف اللبنانية لديها قيود واحتياطات ولكن:

بالفعل فقد وضعت المصارف سقفاً لتحويل العملة اللبنانية بـ 15 مليون ليرة، على أن يُقدم التاجر المستفيد طلباً في اليوم الأول وفي اليوم الثاني يتقاضى الأموال بالدولار المدعوم، ويصل ربح التاجر إلى حوالي 70 دولاراً في كل عملية تحويل.

أما موظفو القطاع العام والعسكريين فبإمكانهم قبض رواتبهم من البنوك وفق سعر منصة "صيرفة" بالدولار المدعوم ثم يقومون ببيع دولاراتهم في السوق السوداء ليربحوا الفرق، وقد يستدينوا بعض المبالغ لبلوغ السقف الأعلى المسموح به، وفي اليوم الثاني يعيدون المال لأصحابه فيربحوا الفارق الذي قد يصل الى ما بين 20 و40 دولاراً حسب المبلغ المودع في الحساب.

في هذا الصدد، يوضح "سامر"، وهو موظف في شركة إلكترونيات، أنه عمد إلى استدانة 15 مليوناً من أحد أقاربه، وأعاد المبلغ في اليوم الثاني للشخص الذي قام بتحويله. ويقول إن "التجار يشترون الدولار وفق منصة "صيرفة" ويبيعوننا الإلكترونيات وفق السوق السوداء الذي يواصل تحليقه".

ويبرر الأشخاص الذين يمارسون التجارة الجديدة في "سوق صيرفة" أنهم يحاولون الاستفادة من الأزمة ومعظمهم من موظفي القطاع العام، فيقول أحد موظفي وزارة الأشغال العامة: " نحاول تحقيق أرباح لم تعطنا إياها الدولة".

لعبة الدولار:

يشتكي الأهالي في لبنان، من أن التجار "يلعبون بالسوق على هواهم"، من دون أي رادع، ويتحكمون بالأسعار تحت مسمى "لعبة الدولار"، فالكل يشتري الدولار وفق منصة "صيرفة" ويبيعه وفق السوق الموازية.

تعليقًا على ذلك، يقول "محمد"، وهو من سكان منطقة الطريق الجديدة، إن تجار الكهرباء (أصحاب المولدات الخاصة والاشتراكات) يشترون دولاراتهم عبر منصة صيرفة، ما يعني أن أحداً منهم لا يخسر وفق رواياتهم المتكررة أمام الزبون الفقير وغالباً ما يهددونه بوضع ضريبة عن كل يوم تأخير·

ويضيف "محمد" في حديثه لوكالة إعلام عربية: "أعمل في تخليص البضائع، لا عمل لديّ في هذه الفترة بسبب أوضاع المرفأ. يهددني صاحب مولد الكهرباء الخاص في المنطقة برفع سعر فاتورة الكهرباء بحجة أن سعر المازوت ارتفع، رغم أنه يشتري الدولارات التي يسدد بها ثمن المازوت عبر منصة "صيرفة" الرسمية المدعومة من مصرف لبنان التي شرّعت سرقة التجار للناس أكثر، بدلاً من لجم الأسعار، فإما أن أدفع وإما العتمة الشاملة".

من المستفيد مما يحصل؟!

في إجابةٍ عن هذا السؤال، يقول الباحث الاقتصادي البروفيسور "جاسم عجاقة" إن "تجارة صيرفة" ليست بأمر مُستجدّ فهي بدأت مع بدء المنصة وزادت مع التعميم 161.

ويوضح أن "التجار والصيارفة هم المستفيدون الأوائل من التجارة على منصة صيرفة حيث يوزعون الأرباح فيما بينهم وهذا الأمر معلوم من الجميع".

ويضيف "عجاقة": "قام مصرف لبنان بطرح المنصة للتخفيف على المواطن عبر التخفيف من وزن السوق السوداء. لكن التجار والصيارفة استفادوا من ذلك وقاموا بشراء الدولارات على منصة صيرفة وبيعها على سعر السوق السوداء وزيادة عن ذلك بحجة حماية أنفسهم".

وعن المستفيدين الآخرين يقول: "بالطبع هناك بعض المودعين ومن بينهم بعض موظفي الدولة الذين باتوا مضطرين للقيام بعمليات صيرفة لزيادة أي دخل للعيش، وهو ما دفع بعض المصارف إلى بدء رفض تطبيق التعميم 161 وهذا دليل على أنهم بدأوا يتضررون من جراء ذلك."

فيما يبقى الخاسر الأكبر هو مصرف لبنان. وهذا دليل على عجز الحكومة التي حولت المواطن من عمله الحقيقي إلى تجارة العملة، من خلال تأخرها في إقرار الإصلاحات، وفقًا لـ "عجاقة".

ويختم الباحث الاقتصادي مؤكداً أن الحلّ مرهون بقيام الحكومة بإصلاحات، وعلى رأسها إقرار القوانين المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي وأهمها قانون الكابيتول كونترول والموازنة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي. بالإضافة إلى مُحاربة التهريب ومكافحة المضاربة والاحتكار ووضع حد لهذه المخالفات من خلال تطبيق القانون.